kolonagaza7
بقلم / طه بافضل
لاجدال، في أن جماعة الإخوان المسلمين أكبر الجماعات الإسلامية في الوطن العربي، ابتداء من مصر منشأ انطلاقتها الأولى، مروراً بعدد من البلدان العربية الغنية منها والفقيرة على حد سواء، حيث أسسها الإمام حسن البنا في مصر مارس عام 1928م، الحديث هنا، ليس عن طرق الجماعة ومنهجيتها وآليات عملها، فهذا يحتاج إلى بسط واسع يرجع إلى مظانه في موسوعات التاريخ المعاصر ففيها غنية وكفاية .
فما يهمنا، هو الدور الذي لعبه الإخوان في مصر واليمن، لنرى الفرق واضحاً وجلياً بين "الإخوانين" إن صح التعبير، فلقد كان تنظيم الإخوان المسلمين الداعم الأول لثورة 25 يناير في مصر، حيث اقتضت الحنكة السياسية، والتجارب المتتالية للتنظيم أن لا يظهر دورهم للعيان، و خصوصاً للعالم الخارجي، فالانقضاض على الثورة حينئذ سيكون حتمياً، وحماية النظام "العميل" للغرب هو الرد القوي على هذه الثورة وبالتالي إخمادها.
فخرج شباب الإخوان، واندمجوا مع بني جلدتهم، جنباً إلى جنب التنظيمات والأحزاب والاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى، لقد اختلط الجميع في زخم الثورة والانقضاض الشعبي على النظام الديكتاتوري، الكل كان يعمل، ولأن هذه التنظيمات والأحزاب جميعها ضُرِبت وبقوة من نظام أسرة مبارك وأعوانها، فقد تجلت عندهم فكرة الاتحاد والتحالف مع الجميع، لأجل تحقيق الهدف العزيز والحلم الكبير .
ظهرت"قوة الإخوان ودورهم القوي في مساندة ثورة الشباب، عبر كوادرهم المنظمة المدربة، والذي انعكس حينها على اتهام الحكومة والتلفزيون للجماعة، بأنها هي التي تحتل ميدان التحرير، وأن لها (أجندات خاصة) وتركب موجة الشباب "!.ولم تكن الصدفة هي التي أوجدت هذه القوة في ساحات ميدان التحرير بل هو الامتداد التاريخي والسياسي الذي احتلته هذه الجماعة .
ومن باب الموازنة فإخوان اليمن أو ما يسمى حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، نجد أنهم دخلوا مع الآخرين في ساحات التغيير، سواء من أحزاب اللقاء المشترك، المنضوية تحت لوائه الاشتراكي والبعثي والناصري والشيعي، أم المستقيلين من الحزب الحاكم أو السلفيين الذين أفتوا بجواز الخروج على الحاكم الظالم، لكن دخول "الإصلاح" كان فجاً متسلطاً وإقصائياً إلى حد كبير وهذا ما بينته كتابات الكثير، وما أعرفه ولمسته عملياً في علاقة الإصلاح وفصائله المتنوعة مع الآخرين المنافسين له خصوصاً السلفيين، فصارت منصات مهرجانات التغيير حكراً على الإصلاحيين بشكل كبير. وأستثني هنا بعض الكوادر الإصلاحية المتحررة من تصرفات الحزب، من قبيل الثائرة توكل كرمان، التي أرهقت قيادة حزبها كثيراً بمبادراتها الثورية، إذ لم ترق للقيادة، التي تخطط بطريقتها السياسية في قيادة الثورة .
أعظم الفروق بين إخوان مصر وإخوان اليمن، هو العلاقة مع النظام الحاكم، أما في مصر، فغني عن القول، نضال وكفاح تلك الجماعة عبر عصور عديدة، مرورًا بحقبة عبدالناصر ومن بعده السادات.. وأخيرا.. نظام مبارك، الذي قام بتضييق الخناق عليهم، وحاول من خلال الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب محوهم من الخارطة السياسية في محاولة يائسة في إنهاء الجماعة وإسكاتها . لم تكن ثمة مصالح ولا صفقات بين الإخوان المسلمين وبين أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر، غير السجون والمعتقلات والإعدامات المتكاثرة لرموز عظيمة في الفكر والاقتصاد والسياسة، تضحيات جسيمة قدمتها الجماعة لم تقدم مثلها جماعة أو تنظيم، وهذا ما أهلها أن تكون في الريادة وأن تنجح مع بقية الأحزاب والجماعات الأخرى المكلومة والمضروبة من نظام مبارك، في الانقضاض عليه، ودحره عن الساحة السياسية ومن ثم استنشاق المصريين لعبير فواح من الحرية والديمقراطية بنجاح ثورة 25 يناير .
في المقابل نجد أن حزب الإصلاح اليمني، ولد من رحم حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم كضرورة مرحلية إبان قيام الوحدة بين شطري اليمن لتتم مواجهة الاشتراكي المدعم بالكوادر والقيادات الحزبية المجربة ومن ثم الإجهاز عليه في صناديق الاقتراع، وهو ما حصل بالفعل . وظل إخوان اليمن أوفياء بطريقة أو بأخرى للرحم الأول؛ فكانت المساندة قوية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم في حرب 94م، التي أعلن فيها علي سالم البيض "الشريك القديم" في إنجاز الوحدة، فك الارتباط وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية. لقد ساند الإصلاح بكوادره وقياداته ومرجعياته الدينية الحزب الحاكم في حربه ضد الحزب الاشتراكي "المرتد" عن الوحدة مساندة مطلقة تعززت بشكل كبير بموجة السخط العارمة في الجنوب على تاريخ أسود للاشتراكي في حكم الجنوب. وإن تبين فيما بعد أنها حرب في الأصل على مقدرات وثروات الجنوب بشكل سافر ومهين.
كان الخلاف مع المؤتمر في الغالب شكلياً في نظر القيادات الإصلاحية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام علي عبدالله صالح كان فيها الأخير كريماً سخياً معها بل يمكن القول إنه كسب ثقتها وصور نفسه في نظرها أنه الوحيد الذي يمكنه أن يدير دفة قيادة اليمن!! فكان الترشيح له، مثلما فعلوا في ترشيحهم له في انتخابات الرئاسة في سبتمبر 1999م، واستطاعوا أن يلفقوا المعاذير لتصرفهم الغريب ويوهموا قاعدتهم الشعبية المتعاطفة دينياً معهم بأن هذا هو التصرف الحكيم .
وفي انتخابات 2006م وبعد تشكيل اللقاء المشترك كاتحاد لأحزاب المعارضة في وجه الحزب الحاكم ظهر للناس أن نهاية علي عبدالله صالح قد بدأت خصوصاً مع مرشح قوي الشخصية نزيه اليد بشهادة الخصم قبل الصديق وصاحب تاريخ مشرف يؤهله وبقوة للفوز على مرشح المؤتمر الشعبي العام الذي فشل في حل المشكلات المتفاقمة في اليمن، اشتدت المنافسة حينئذ إلا أن الوضع القبلي والسياسي لليمن والخلل الكبير في توجهات قيادة الإخوان حقق للرئيس صالح الكثير من الإنجازات فبالرغم من عدم اكتمال فتح الكثير من صناديق الاقتراع، وبالرغم من نتائج الاستطلاع والجو العام الذي يثبت بما لا يدع مجالاً لشك أو ريبة في أن ابن شملان سيفوز على صالح وبنسبة كبيرة، إلا أن العكس هو الذي أُثبت وهو الذي كان وصاح حينها الإصلاحيون وتبرموا ولكن في الأخير أذعنوا "كعادتهم" ورضخوا للنتيجة، وقبلوا بعلي صالح رئيساً عليهم حتى 2013م مدة نهاية انتخابه، أما ابن شملان فمات وهو يأبى أن يوقع على نتيجة الانتخابات .
ويرى بعضهم، أن قيام تكتل أحزاب اللقاء المشترك ونشأته ماهو إلا وسيلة ذكية، اشترك في تأسيسها الرئيس علي صالح مع حزب الإصلاح ليحطم أية قوة تحاول أن تقف في وجه الحزب الحاكم ويصبح الخصم واحداً أمام الرأي العام المحلي والخارجي وليسهل على الرئيس مواجهة خصومة بطريقة ديمقراطية ولا شك أن حصص الأحزاب داخل تكتل اللقاء المشترك ليست على حد سواء، فبعض الأحزاب ليس له من الأتباع إلا النزر اليسير الذي لن يحقق بمفرده شيئاً يذكر، وتم بذلك إضعاف الحزب الاشتراكي أكثر وأكثر وتم قطع الطريق على قياداته من إعادة الروح إليه ورجوعه لمنصة المواجهة مع الخصم القديم .لقد كان دور حزب الإصلاح كبيراً وعظيماً .
لم تواجه قيادات الإصلاح البارزة ما واجهه الإخوان في مصر، فلم يطلهم الإعدام، ولا تعذيب السجون، ولا التضييق أو النفي خارج اليمن، وإن حصل لأحد منهم شيء من ذلك، فهو استثناء يعزز القاعدة ولا يلغيها، كما أن العامل القبلي والتقارب الأسري في اليمن عزز من هذه العلاقة الوطيدة التي جمعت علي عبدالله صالح مع قيادات الإخوان في اليمن في فترة سابقة فيكفي الإشارة إلى أن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبائل حاشد والشخصية القوية من بين زعماء القبائل في الشمال، هو من أتى بقائد لواء تعز ليكون حامياً لمصالح القبائل اليمنية في وجه محاولات الدفع بالبلاد نحو التنمية بعيداً عن التوجهات القبلية السائدة .
وقد حصل شيء من التوتر خصوصاً بعد موت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أدى إلى مواجهة مسلحة بين أسرة آل الأحمر كما هو حاصل الآن، ويندر بنشوب حرب أهلية متواصلة كما حدث في حروب صعدة فتحولت الثورة من ثورة شعبية إلى نزاع مسلح بين أسرتين تتنازعان السؤدد والحكم على اليمن وإن ثمة إنكار منهما إلا أن وقائع الحال تثبت غير ذلك .
فالعلاقة السابقة وسيطرة الأوهام على القيادات البارزة في حزب الإصلاح بأن الرئيس "الرمز" علي عبدالله صالح قادر على القيادة المحنكة للبلاد، والتصفية للخصوم، والتحرك في دوائر متعددة بالإضافة إلى قبضته القوية بالأجهزة العسكرية، كل ذلك جعل حزب الإصلاح لا يحقق ما حققه الإخوان المسلمون في مصر .
إخوان مصر لم يكونوا يوماً النظام الحاكم، بخلاف حزب الإصلاح فقد كان جزءًا من نظام الحكم، بل شريكاً معه في مجلس الرئاسة، وحمل عدداً من حقائب الحكومة وكان المساند له في وجه أعدائه فاستطاع المؤتمر الشعبي تعزيز قبضته على اليمن بطريقة ديمقراطية وإن كانت في الأصل سمجة ومتهتكة إلا أنها كافية لأن يصدق العالم أن في اليمن ديمقراطية صناديق الاقتراع، التي تمكن للحزب الفائز رئاسة البلد، بغض النظر عن الأساليب الملتوية التي تمارسها الكتل الحاكمة، المتمترسة خلف مقدرات وإمكانات الدولة لتحقيق أغراضها السياسية .
التذبذب والتردد والتيه الذي يعيشه حزب الإصلاح، بالإضافة إلى عقد الإقصائية والتهميش للآخر وتصور أنهم الوحيدون على تحريك الشارع، والقيام بالدور السياسي لتحقيق أهدافه هي أسباب رئيسة لإخفاقه في الانتصار على نظام متسلط متمكن من كل الأجهزة التي تساهم في استمراره ، ناهيك عن العلاقات الوطيدة التي تجمع الكثير من قيادات الحزب الإسلامي مع الرئيس نفسه، وقبولهم عطاياه ومكرماته فهو يعرف عنه أنه سخي وكريم وهم أدرى الناس بطريقة تعامله خصوصاً من عمل معه في أجهزته الأمنية ومن يقف إلى جانبه في حملاته على مخالفيه فقد وقفوا معه حتى بالفتوى الشرعية والنصوص القرآنية والنبوية لإثبات أنه الحامي الحقيقي للبلد!!
*رئيس تحرير صحيفة الرشد
لاجدال، في أن جماعة الإخوان المسلمين أكبر الجماعات الإسلامية في الوطن العربي، ابتداء من مصر منشأ انطلاقتها الأولى، مروراً بعدد من البلدان العربية الغنية منها والفقيرة على حد سواء، حيث أسسها الإمام حسن البنا في مصر مارس عام 1928م، الحديث هنا، ليس عن طرق الجماعة ومنهجيتها وآليات عملها، فهذا يحتاج إلى بسط واسع يرجع إلى مظانه في موسوعات التاريخ المعاصر ففيها غنية وكفاية .
فما يهمنا، هو الدور الذي لعبه الإخوان في مصر واليمن، لنرى الفرق واضحاً وجلياً بين "الإخوانين" إن صح التعبير، فلقد كان تنظيم الإخوان المسلمين الداعم الأول لثورة 25 يناير في مصر، حيث اقتضت الحنكة السياسية، والتجارب المتتالية للتنظيم أن لا يظهر دورهم للعيان، و خصوصاً للعالم الخارجي، فالانقضاض على الثورة حينئذ سيكون حتمياً، وحماية النظام "العميل" للغرب هو الرد القوي على هذه الثورة وبالتالي إخمادها.
فخرج شباب الإخوان، واندمجوا مع بني جلدتهم، جنباً إلى جنب التنظيمات والأحزاب والاتجاهات الفكرية والسياسية الأخرى، لقد اختلط الجميع في زخم الثورة والانقضاض الشعبي على النظام الديكتاتوري، الكل كان يعمل، ولأن هذه التنظيمات والأحزاب جميعها ضُرِبت وبقوة من نظام أسرة مبارك وأعوانها، فقد تجلت عندهم فكرة الاتحاد والتحالف مع الجميع، لأجل تحقيق الهدف العزيز والحلم الكبير .
ظهرت"قوة الإخوان ودورهم القوي في مساندة ثورة الشباب، عبر كوادرهم المنظمة المدربة، والذي انعكس حينها على اتهام الحكومة والتلفزيون للجماعة، بأنها هي التي تحتل ميدان التحرير، وأن لها (أجندات خاصة) وتركب موجة الشباب "!.ولم تكن الصدفة هي التي أوجدت هذه القوة في ساحات ميدان التحرير بل هو الامتداد التاريخي والسياسي الذي احتلته هذه الجماعة .
ومن باب الموازنة فإخوان اليمن أو ما يسمى حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، نجد أنهم دخلوا مع الآخرين في ساحات التغيير، سواء من أحزاب اللقاء المشترك، المنضوية تحت لوائه الاشتراكي والبعثي والناصري والشيعي، أم المستقيلين من الحزب الحاكم أو السلفيين الذين أفتوا بجواز الخروج على الحاكم الظالم، لكن دخول "الإصلاح" كان فجاً متسلطاً وإقصائياً إلى حد كبير وهذا ما بينته كتابات الكثير، وما أعرفه ولمسته عملياً في علاقة الإصلاح وفصائله المتنوعة مع الآخرين المنافسين له خصوصاً السلفيين، فصارت منصات مهرجانات التغيير حكراً على الإصلاحيين بشكل كبير. وأستثني هنا بعض الكوادر الإصلاحية المتحررة من تصرفات الحزب، من قبيل الثائرة توكل كرمان، التي أرهقت قيادة حزبها كثيراً بمبادراتها الثورية، إذ لم ترق للقيادة، التي تخطط بطريقتها السياسية في قيادة الثورة .
أعظم الفروق بين إخوان مصر وإخوان اليمن، هو العلاقة مع النظام الحاكم، أما في مصر، فغني عن القول، نضال وكفاح تلك الجماعة عبر عصور عديدة، مرورًا بحقبة عبدالناصر ومن بعده السادات.. وأخيرا.. نظام مبارك، الذي قام بتضييق الخناق عليهم، وحاول من خلال الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب محوهم من الخارطة السياسية في محاولة يائسة في إنهاء الجماعة وإسكاتها . لم تكن ثمة مصالح ولا صفقات بين الإخوان المسلمين وبين أنظمة الحكم المتعاقبة على مصر، غير السجون والمعتقلات والإعدامات المتكاثرة لرموز عظيمة في الفكر والاقتصاد والسياسة، تضحيات جسيمة قدمتها الجماعة لم تقدم مثلها جماعة أو تنظيم، وهذا ما أهلها أن تكون في الريادة وأن تنجح مع بقية الأحزاب والجماعات الأخرى المكلومة والمضروبة من نظام مبارك، في الانقضاض عليه، ودحره عن الساحة السياسية ومن ثم استنشاق المصريين لعبير فواح من الحرية والديمقراطية بنجاح ثورة 25 يناير .
في المقابل نجد أن حزب الإصلاح اليمني، ولد من رحم حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم كضرورة مرحلية إبان قيام الوحدة بين شطري اليمن لتتم مواجهة الاشتراكي المدعم بالكوادر والقيادات الحزبية المجربة ومن ثم الإجهاز عليه في صناديق الاقتراع، وهو ما حصل بالفعل . وظل إخوان اليمن أوفياء بطريقة أو بأخرى للرحم الأول؛ فكانت المساندة قوية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم في حرب 94م، التي أعلن فيها علي سالم البيض "الشريك القديم" في إنجاز الوحدة، فك الارتباط وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية. لقد ساند الإصلاح بكوادره وقياداته ومرجعياته الدينية الحزب الحاكم في حربه ضد الحزب الاشتراكي "المرتد" عن الوحدة مساندة مطلقة تعززت بشكل كبير بموجة السخط العارمة في الجنوب على تاريخ أسود للاشتراكي في حكم الجنوب. وإن تبين فيما بعد أنها حرب في الأصل على مقدرات وثروات الجنوب بشكل سافر ومهين.
كان الخلاف مع المؤتمر في الغالب شكلياً في نظر القيادات الإصلاحية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام علي عبدالله صالح كان فيها الأخير كريماً سخياً معها بل يمكن القول إنه كسب ثقتها وصور نفسه في نظرها أنه الوحيد الذي يمكنه أن يدير دفة قيادة اليمن!! فكان الترشيح له، مثلما فعلوا في ترشيحهم له في انتخابات الرئاسة في سبتمبر 1999م، واستطاعوا أن يلفقوا المعاذير لتصرفهم الغريب ويوهموا قاعدتهم الشعبية المتعاطفة دينياً معهم بأن هذا هو التصرف الحكيم .
وفي انتخابات 2006م وبعد تشكيل اللقاء المشترك كاتحاد لأحزاب المعارضة في وجه الحزب الحاكم ظهر للناس أن نهاية علي عبدالله صالح قد بدأت خصوصاً مع مرشح قوي الشخصية نزيه اليد بشهادة الخصم قبل الصديق وصاحب تاريخ مشرف يؤهله وبقوة للفوز على مرشح المؤتمر الشعبي العام الذي فشل في حل المشكلات المتفاقمة في اليمن، اشتدت المنافسة حينئذ إلا أن الوضع القبلي والسياسي لليمن والخلل الكبير في توجهات قيادة الإخوان حقق للرئيس صالح الكثير من الإنجازات فبالرغم من عدم اكتمال فتح الكثير من صناديق الاقتراع، وبالرغم من نتائج الاستطلاع والجو العام الذي يثبت بما لا يدع مجالاً لشك أو ريبة في أن ابن شملان سيفوز على صالح وبنسبة كبيرة، إلا أن العكس هو الذي أُثبت وهو الذي كان وصاح حينها الإصلاحيون وتبرموا ولكن في الأخير أذعنوا "كعادتهم" ورضخوا للنتيجة، وقبلوا بعلي صالح رئيساً عليهم حتى 2013م مدة نهاية انتخابه، أما ابن شملان فمات وهو يأبى أن يوقع على نتيجة الانتخابات .
ويرى بعضهم، أن قيام تكتل أحزاب اللقاء المشترك ونشأته ماهو إلا وسيلة ذكية، اشترك في تأسيسها الرئيس علي صالح مع حزب الإصلاح ليحطم أية قوة تحاول أن تقف في وجه الحزب الحاكم ويصبح الخصم واحداً أمام الرأي العام المحلي والخارجي وليسهل على الرئيس مواجهة خصومة بطريقة ديمقراطية ولا شك أن حصص الأحزاب داخل تكتل اللقاء المشترك ليست على حد سواء، فبعض الأحزاب ليس له من الأتباع إلا النزر اليسير الذي لن يحقق بمفرده شيئاً يذكر، وتم بذلك إضعاف الحزب الاشتراكي أكثر وأكثر وتم قطع الطريق على قياداته من إعادة الروح إليه ورجوعه لمنصة المواجهة مع الخصم القديم .لقد كان دور حزب الإصلاح كبيراً وعظيماً .
لم تواجه قيادات الإصلاح البارزة ما واجهه الإخوان في مصر، فلم يطلهم الإعدام، ولا تعذيب السجون، ولا التضييق أو النفي خارج اليمن، وإن حصل لأحد منهم شيء من ذلك، فهو استثناء يعزز القاعدة ولا يلغيها، كما أن العامل القبلي والتقارب الأسري في اليمن عزز من هذه العلاقة الوطيدة التي جمعت علي عبدالله صالح مع قيادات الإخوان في اليمن في فترة سابقة فيكفي الإشارة إلى أن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر زعيم قبائل حاشد والشخصية القوية من بين زعماء القبائل في الشمال، هو من أتى بقائد لواء تعز ليكون حامياً لمصالح القبائل اليمنية في وجه محاولات الدفع بالبلاد نحو التنمية بعيداً عن التوجهات القبلية السائدة .
وقد حصل شيء من التوتر خصوصاً بعد موت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أدى إلى مواجهة مسلحة بين أسرة آل الأحمر كما هو حاصل الآن، ويندر بنشوب حرب أهلية متواصلة كما حدث في حروب صعدة فتحولت الثورة من ثورة شعبية إلى نزاع مسلح بين أسرتين تتنازعان السؤدد والحكم على اليمن وإن ثمة إنكار منهما إلا أن وقائع الحال تثبت غير ذلك .
فالعلاقة السابقة وسيطرة الأوهام على القيادات البارزة في حزب الإصلاح بأن الرئيس "الرمز" علي عبدالله صالح قادر على القيادة المحنكة للبلاد، والتصفية للخصوم، والتحرك في دوائر متعددة بالإضافة إلى قبضته القوية بالأجهزة العسكرية، كل ذلك جعل حزب الإصلاح لا يحقق ما حققه الإخوان المسلمون في مصر .
إخوان مصر لم يكونوا يوماً النظام الحاكم، بخلاف حزب الإصلاح فقد كان جزءًا من نظام الحكم، بل شريكاً معه في مجلس الرئاسة، وحمل عدداً من حقائب الحكومة وكان المساند له في وجه أعدائه فاستطاع المؤتمر الشعبي تعزيز قبضته على اليمن بطريقة ديمقراطية وإن كانت في الأصل سمجة ومتهتكة إلا أنها كافية لأن يصدق العالم أن في اليمن ديمقراطية صناديق الاقتراع، التي تمكن للحزب الفائز رئاسة البلد، بغض النظر عن الأساليب الملتوية التي تمارسها الكتل الحاكمة، المتمترسة خلف مقدرات وإمكانات الدولة لتحقيق أغراضها السياسية .
التذبذب والتردد والتيه الذي يعيشه حزب الإصلاح، بالإضافة إلى عقد الإقصائية والتهميش للآخر وتصور أنهم الوحيدون على تحريك الشارع، والقيام بالدور السياسي لتحقيق أهدافه هي أسباب رئيسة لإخفاقه في الانتصار على نظام متسلط متمكن من كل الأجهزة التي تساهم في استمراره ، ناهيك عن العلاقات الوطيدة التي تجمع الكثير من قيادات الحزب الإسلامي مع الرئيس نفسه، وقبولهم عطاياه ومكرماته فهو يعرف عنه أنه سخي وكريم وهم أدرى الناس بطريقة تعامله خصوصاً من عمل معه في أجهزته الأمنية ومن يقف إلى جانبه في حملاته على مخالفيه فقد وقفوا معه حتى بالفتوى الشرعية والنصوص القرآنية والنبوية لإثبات أنه الحامي الحقيقي للبلد!!
*رئيس تحرير صحيفة الرشد