kolonagaza7
بقلم عيسى قراقع وزير شؤون الأسرى والمحررين
في صباح العيد أتفقد مقابر الشهداء، انظر الى الشواهد، اقرأ أسماءهم جيدا، وتاريخ استشهادهم، أضع إكليلا من الورد، وأقرأ الفاتحة بحزن وعلى مهل ريثما يكتمل الندى السماوي على الأجساد التي رحلت وعانقت ماء التراب.
لم أجده بين الأسماء، ليس مجهولا، فله كوشان وبيت وعائلة وذكريات، وله خربشات وبصمات من الخطوات في المكان، وله صور وكتب وأنفاس لا زلت اسمعها ساخنة ملغومة بالأمنيات والشهقات .
ولكنه ليس بين الأسماء، لا قبر له، لا ورد ولا فاتحة ولا زائرين في صباح العيد، لا أحد يصب القهوة للحاضرين او يوزع الحلويات احتفاءا بالبطولة الرابضة في هذه الأجساد وأرواحهم الطاهرة.
الأسماء التي قرأتها على أضرحة الشهداء لها صوت يرحب بالزائرين، جروح نازفة تخرج من وسط الثرى، أيادي تمتد لتصافح الحاضرين، وحشد من المشاهد الرمادية تتوالى مع كل شهيد سقط تعذيبا أو مرضا أو برصاصة أو اغتيال بصاروخ من طائرة.
ولكني لم اسمع صوته، هدوء مريب في المقبرة، وعائلته لم تتواجد في صباح العيد، لم تنزل دمعة، أو تحلق ابتسامه، ولم اسمع حكايته مع سائر الحكايات المجبولة بالدم والضوء وأغاني العيد.
هو الشهيد أنيس دولة، سقط قبل 31 عاما في ساحة سجن عسقلان، مريضا بالقلب، متأثرا بما لحق به من تعذيب وقمع وجوع وقهر في سنوات السجن القاسية، سقط متكئا على جدار السجن، مبتسما للموت الحرّ، رافضا الركوع، صاعدا الى ملكوته بلا قيود وأبواب مغلقة.
لا زالت سلطات الاحتلال تحتجز رفاته في ما يسمى مقابر الأرقام العسكرية منذ عام 1980، ترفض تسليم جثته لذويه، تعاقبه ميتا مثلما عاقبته بالمؤبد الأسود حيا ، تتحرك روحه كي تصل الى مقبرة واضحة في النهار، تذوب على الآيات ودعاء الناس ورحمة المصلين.
أنيس دولة ليس له قبر ولا شاهد ولا صورة، ولا ألوان من الورد ورائحة تدل عليه، عميقا في النسيان والغياب، وتحت تراب الحرب والكراهية تدفنه دولة اسرائيل خائفة أن يدل الأموات على الأحياء.
لم أجده بين الأسماء، لأن جثته معتقلة في دولة اسبرطية ونووية، تخاف من أسير جاع طويلا وتعطش كثيرا الى الحرية، لم يكمل مؤبده إلا بالموت المطلق، لا زال يغني نشيد الحرية في أبديته المتحولة.
لم أجده بين الأسماء ، لأن دولة اسرائيل لم تنه حتى الآن محاكمته، لا زالت تناقش حبات الملح في روحه وأسباب فدائيته، ومنذ واحد وثلاثين عاما لم تزل تسأله عن دوره الطبيعي في محاولة اقتباس أمثولة الطير في الطيران و ضحكة الضوء في عتمة الزنازين.
لم أجده بين الأسماء، ولكني وجدت في بيته قميصه البني، وقرآنه، وسبحته، ومسدسه، وأحلامه وضحكته المدهشة.
لم أجده بين الأسماء، كأن الحياة في جسده منهوبة ومصادرة، الجسد مقيد والعظام مطحونة ومتروكة للمفتوح في هذا المدى شجرا ومطرا ورائحة صلاة.
لم أجده بين الأسماء، اعتقلوه مجددا بعد موته، لم يكتفوا بما فيه من رطوبة وعذاب وصدى وحديد، كأنهم يعتقدون أن في كل أسير كلام يتجدد في الآخرين، وأن احتجاز جثته يعني احتجاز قصته وإخفاء جريمة وطمس البراهين.
لم أجده بين الأسماء، لازال مأسورا، ولا زلت انتظر ذلك اليوم الذي يعود به القتلة الى معسكراتهم خائبين، ويعود أنيس دولة الى روحه وبيته وأصدقائه حرا على نعش يشبه الصقر في عيون الحالمين.
في صباح العيد أتفقد مقابر الشهداء، انظر الى الشواهد، اقرأ أسماءهم جيدا، وتاريخ استشهادهم، أضع إكليلا من الورد، وأقرأ الفاتحة بحزن وعلى مهل ريثما يكتمل الندى السماوي على الأجساد التي رحلت وعانقت ماء التراب.
لم أجده بين الأسماء، ليس مجهولا، فله كوشان وبيت وعائلة وذكريات، وله خربشات وبصمات من الخطوات في المكان، وله صور وكتب وأنفاس لا زلت اسمعها ساخنة ملغومة بالأمنيات والشهقات .
ولكنه ليس بين الأسماء، لا قبر له، لا ورد ولا فاتحة ولا زائرين في صباح العيد، لا أحد يصب القهوة للحاضرين او يوزع الحلويات احتفاءا بالبطولة الرابضة في هذه الأجساد وأرواحهم الطاهرة.
الأسماء التي قرأتها على أضرحة الشهداء لها صوت يرحب بالزائرين، جروح نازفة تخرج من وسط الثرى، أيادي تمتد لتصافح الحاضرين، وحشد من المشاهد الرمادية تتوالى مع كل شهيد سقط تعذيبا أو مرضا أو برصاصة أو اغتيال بصاروخ من طائرة.
ولكني لم اسمع صوته، هدوء مريب في المقبرة، وعائلته لم تتواجد في صباح العيد، لم تنزل دمعة، أو تحلق ابتسامه، ولم اسمع حكايته مع سائر الحكايات المجبولة بالدم والضوء وأغاني العيد.
هو الشهيد أنيس دولة، سقط قبل 31 عاما في ساحة سجن عسقلان، مريضا بالقلب، متأثرا بما لحق به من تعذيب وقمع وجوع وقهر في سنوات السجن القاسية، سقط متكئا على جدار السجن، مبتسما للموت الحرّ، رافضا الركوع، صاعدا الى ملكوته بلا قيود وأبواب مغلقة.
لا زالت سلطات الاحتلال تحتجز رفاته في ما يسمى مقابر الأرقام العسكرية منذ عام 1980، ترفض تسليم جثته لذويه، تعاقبه ميتا مثلما عاقبته بالمؤبد الأسود حيا ، تتحرك روحه كي تصل الى مقبرة واضحة في النهار، تذوب على الآيات ودعاء الناس ورحمة المصلين.
أنيس دولة ليس له قبر ولا شاهد ولا صورة، ولا ألوان من الورد ورائحة تدل عليه، عميقا في النسيان والغياب، وتحت تراب الحرب والكراهية تدفنه دولة اسرائيل خائفة أن يدل الأموات على الأحياء.
لم أجده بين الأسماء، لأن جثته معتقلة في دولة اسبرطية ونووية، تخاف من أسير جاع طويلا وتعطش كثيرا الى الحرية، لم يكمل مؤبده إلا بالموت المطلق، لا زال يغني نشيد الحرية في أبديته المتحولة.
لم أجده بين الأسماء ، لأن دولة اسرائيل لم تنه حتى الآن محاكمته، لا زالت تناقش حبات الملح في روحه وأسباب فدائيته، ومنذ واحد وثلاثين عاما لم تزل تسأله عن دوره الطبيعي في محاولة اقتباس أمثولة الطير في الطيران و ضحكة الضوء في عتمة الزنازين.
لم أجده بين الأسماء، ولكني وجدت في بيته قميصه البني، وقرآنه، وسبحته، ومسدسه، وأحلامه وضحكته المدهشة.
لم أجده بين الأسماء، كأن الحياة في جسده منهوبة ومصادرة، الجسد مقيد والعظام مطحونة ومتروكة للمفتوح في هذا المدى شجرا ومطرا ورائحة صلاة.
لم أجده بين الأسماء، اعتقلوه مجددا بعد موته، لم يكتفوا بما فيه من رطوبة وعذاب وصدى وحديد، كأنهم يعتقدون أن في كل أسير كلام يتجدد في الآخرين، وأن احتجاز جثته يعني احتجاز قصته وإخفاء جريمة وطمس البراهين.
لم أجده بين الأسماء، لازال مأسورا، ولا زلت انتظر ذلك اليوم الذي يعود به القتلة الى معسكراتهم خائبين، ويعود أنيس دولة الى روحه وبيته وأصدقائه حرا على نعش يشبه الصقر في عيون الحالمين.