الجمعة، 21 أكتوبر 2011

"صفقة تبادل الأسرى".. الدور الوظيفي والتوقيت المثالي

kolonagaza7

*محمود عبد الرحيم:
اختيار مسمى جديد لصفقة تبادل الأسرى بين حركة حماس والكيان الصهيوني هو"الوفاء للاحرار" إلى جانب المسمي المتداول منذ سنوات"صفقة شاليط" وابراز الدور المصري إعلاميا في هذه الصفقة والاشادة الممتنة من كل الأطراف، يعكس تماما ما وراء هذه الصفقة، أو بالاحرى الدور الوظيفي لها في هذا التوقيت الذي فاجأ الجميع، لكنه يبدو محسوبا بدقة، وربما مثاليا.
فثمة حاجة داخلية لكل من حماس وإسرائيل والسلطة العسكرية الانتقالية في مصر لمثل هذا الانجاز الذي يتم تسويقه، ويتصدر مشهده الثلاثة معا، فيما يقف وراء الكواليس كل من تركيا وقطر وسوريا الذين أتت اسماؤهم عرضا كمستقبلين للمبعدين، بينما لعبت كل منهن دورها المطلوب في الصفقة على مدى سنوات بقيادة المخرج الأمريكي المنوط به إدارة كل ما يتعلق بشئون المنطقة، ورعاية مصالح الكيان الصهيوني التى تصب في خانة مصالحه الاستراتيجية.
ومن حيث التوقيت، فالوضع الاقليمي في حالة اضطراب شديد، في ظل ربيع الثورات العربية الذي لا تُعرف وجهته حتى الآن، والجبهة الداعمة لحركة حماس وفي مقدمتها إيران تحت مرمى الاستهداف الأمريكي كلما اقتربت من انجاز مشروعها النووي، وسط تحريض إسرائيلي لا يهدأ، وتصعيد سعودي عبر عن نفسه في اتهام طهران الأخير بالتخطيط لاغتيال سفير المملكة بواشنطن، فيما تبدو سوريا الرسمية في أضعف حالاتها، مشغولة بمحاولة إنهاء الانتفاضة الشعبية المستمرة منذ عدة أشهر، و اتخاذ موقف الدفاع في مواجهة الضغوط الدولية المتزايدة، على نحو يفقدها ديناميكية الدور الذى اعتادت أن تلعبه، وما كانت تمثله من رقم صعب في معادلة اتخاذ القرار على صعيد الملف الفلسطيني.
وربما هذا يفسر المرونة التى ابدتها حركة حماس في هذه الصفقة، والتعامل مع الموقف على أرضية السياسة، أى القبول بالممكن وليس التمسك بالحد الأقصى، عكس ما كان مطروحا سابقا، من الاصرار على اطلاق القيادات الفلسطينية الكبيرة كمروان البرغوثي واحمد سعدات، ورفض عملية الابعاد لأى فلسطيني خارج موطنه، وتزامنية التبادل وليس المرحلية ، وعوضت هذه الخسائر أو التنازلات التفاوضية بحملة إعلامية وسياسية تظهر الأمر كانتصار تاريخي كبير، يتجاوز منظور اطلاق جندي إسرائيلي بشكل تبادلي إلى الوفاء للمقاومة والعمل على تحرير المقاومين،على نحو يستحق الاحتفالات الشعبية الحاشدة التى يتصدرها قادة حماس في الخارج والداخل، وهذا جانب من الحقيقة التى يقف وراءها الرغبة في استثمار الحدث لترميم شعبية حماس، وسط جماهير ضجت من الحصار والمعاناة اليومية المتزايدة، وفشل جهود المصالحة الفلسطينية التى تنال من قوة وحدة الموقف الفلسطيني.
وأيضا يبدو الاحتفاء الواسع بهذه الصفقة كما لو كان رغبة حمساوية في الرد بفعل مدو على الحركة الآحادية التى قام بها رئيس سلطة الحكم الذاتي محمود عباس بالذهاب إلى مجلس الأمن لطلب إعلان الدولة الفلسطينية، وما صاحبها من حملة دعائية صاخبة تصور الأمر على أنها معركة استقلال حقيقية، وليست لعبة ترميم شعبية منهارة وتبرير استئناف التفاوض، واظهار الخصم (حماس) أنه يصطف إلى جانب أمريكا وإسرائيل في مناهضة حلم الدولة المستقلة.
وربما مسارعة عباس إلى مؤتمر صحفي يتحدث فيه عن أن أي تفاوض قادم سيشمل صفقة إطلاق عدد أكبر من الأسرى، بما فيها القيادات السياسية البارزة، يكشف تهيئة المسرح للعودة للمفاوضات، باستغلال مشاعر الجماهير الفلسطينية التواقة إلى عودة ذويهم من السجون الإسرائيلية، وإرسال رسالة مكايدة فورية إلى حماس مفادها" أنكم لم تفعلوا أكثر مما يمكن أن نفعل، ولم تنجزوا الشئ العظيم، فملف الأسرى لا يزال مفتوحا".
وعلى الصعيد الإسرائيلي، تبدو الصفقة عملية ناجحة لحكومة نتيانياهو ومفاوضيها تعوض ما فشلت فيه آلة الحرب، خاصة مع عدم الرضوخ لشروط حماس العديدة، واتخاذ اجراءات لا تظهر إسرائيل بمظهر الضعيف المستسلم لخصمه كالابعاد لبعض الأسرى، والمرحلية والاعتراض على اطلاق اسماء بعينها، وهو ما يساعد في تسويق الصفقة محليا كمعركة ارادة إسرائيلية منتصرة، و استرداد كرامة ضائعة في حرب غزة، واستعداد الحكومة للدفاع عن أى مواطن يتعرض لخطر، وتقديم أية تضحيات من أجله، على نحو يخفف من الضغوط الشعبية المتزايدة على نتيانياهو، فضلا عن اعتبار مفاوضات اطلاق شاليط تمرين على استقطاب حماس إلى دائرة التفاوض، وترويض هذا الفصيل الممانع ب"الجزرة" طالما لم تصلح"العصا" وحدها، الأمر الذي قد يدفع بجبهة محمود عباس إلى الهرولة، وتقديم التنازلات حتى لا يفقد وظيفية دوره التي تعطيه أفضلية على صعيد ملف الصراع العربي الصهيوني في شقه الفلسطيني.
وإذا ما أتينا إلى الجانب المصري، فثمة استفادة متحققة من وراء هذه الصفقة، خاصة إذا ما ربطنا بينها وبين الاعتذار الإسرائيلي عن قتل جنود مصريين على الحدود وعدم التصعيد إزاء حادث اقتحام السفارة الصهيونية في مصر، وعبارات الغزل الاسرائيلي والأمريكي للمجلس العسكري الحاكم في مصر، فيما يتصاعد الانتقاد الحاد للسلطة الانتقالية العسكرية داخليا، على خلفية تعطيل مسيرة الثورة وأهدافها وعدم الرغبة في انجاز التحولات الجذرية المأمولة، التى من بينها اعادة بناء التحالفات الدولية والاقليمية، وفك الارتباط بكل من واشنطن وتل ابيب وانتهاج سياسة خارجية ذات استقلالية.
فمثل هذا الحدث إذا ما تم إبرازه إعلاميا، بالترافق مع الإعتذار الإسرائيلي والاشادات المختلفة بالدور المصري، فسوف يصب، حسبما ُيراد له، في خانة تصدير صورة ايجابية عن المجلس العسكري الحاكم وجهاز الاستخبارات المتهم بالفشل في ادارة الملفات الاستراتيجية، وتظهرهما بمظهر القوى والناجح والقادر على انجاز ما لم يتحقق في ظل حكم الديكتاتور المخلوع مبارك، أو على يد أطراف اقليمية ودولية أخرى، وكأن ثمة نجاحا في استعادة الدور الاقليمي لمصر، واختلافا في النهج والادارة، وليس استكمال مسيرة ومسار لا ترى فيه امريكا وإسرائيل ما يستحق التخوف، وأنما الارتياح والمباركة.
*كاتب صحفي مصري

مشاركة مميزة