السبت، 29 أكتوبر 2011

تونس تبايع النهضة .. انتصار للهوية وتكريم للمناضلين

kolonagaza7


ياسر الزعاتر

ةلم تتوقف دوائر الإعلام الغربية، وبالذات الفرنسية التي تدعم العلمانيين المتطرفين في المغرب العربي، وتتعاطف مع اليسار أيضا عن التبشير بسقف العشرين في المئة الذي لن تتجاوزه حركة النهضة في تونس، فضلا عن ملاحقة كل كلمة يقولها زعيم الحركة الشيخ راشد الغنوشي أو سواه من قادة الحركة، واصطياد ما يمكن اصطياده من تأويل خاطئ لها بغية تحريض الداخل والخارج على الحركة.وكان لافتا بالطبع أن ينسجم بعض رموز السلطة الانتقالية، وكثير منهم من مخلفات النظام المخلوع مع هذه النغمة، الأمر الذي أثار شكوكا حول نوايا تزوير الانتخابات، لأن أحدا لا يمكنه الجزم مسبقا بنسبة التصويت لكل حركة أو حزب في بلد خارج لتوه من عهد شمولي سيطر على كل شيء في البلاد، وجعلها مزرعة للرئيس وعائلته ومن يدورون في فلكهم.لكن تونس التي كانت أولى بشائر الربيع العربي والإنذار الأول للطغاة، أبت إلا أن تكون أول الغيث بالنسبة للقوى الإسلامية، فها هي حركة النهضة، وخلافا لتلك التوقعات المبرمجة، تحصد فوزا كبيرا توقعه قادتها، وإن لم يصرحوا بذلك في وسائل الإعلام (نكتب مع ظهور النتائج الأولية التي تشير إلى فوز الحركة بما يقرب من نصف المقاعد، مع أن هبوط الرقم إلى ما دون ذلك لا يغير في واقع أنها القوة الأولى التي ستشكل الحكومة تبعا لذلك).لقد شعر قادة النهضة منذ الأيام الأولى لسقوط بن علي وخروجهم للعلن أن الجماهير معهم بكل مشاعرها. تبدى ذلك في اللقاءات والمؤتمرات التي عقدتها الحركة في سائر المدن. صحيح أن جيلا من التونسيين لم يعايش الحركة وكوادرها (أقصيت مطلع التسعينيات وزج بقادتها وكوادرها في السجون)، إلا أن أخبار الحركة ومعتقليها والمطاردة المحمومة التي قام بها زين العابدين بن علي لكل ما يمت إليها بصلة، مع مطاردة حالة التدين برمتها في تونس، كل ذلك أدى إلى تعاطف هذا الجيل معها، لاسيما أن رؤاها كانت حاضرة في خطاب القوى الإسلامية الأخرى وعموم الصحوة، فضلا عن حضور شيخها المنفي في الخارج في وسائل الإعلام، إلى جانب ما كان يتوفر للحركة من وسائل اتصال مع الجماهير، بخاصة خلال الألفية الجديدة بعد اتساع نطاق وسائل الاتصال وشيوع الفضائيات.هكذا كان التوانسة أوفياء لمن دفعوا الأثمان الباهظة في مواجهة النظام، فضلا عن وفائهم لهويتهم التي طاردها النظام بكل وسيلة ممكنة، وها هم ببيعتهم لحركة النهضة يعلنون أمام العالم أجمع أن أحدا لن يتمكن من العبث بضميرهم الجمعي المنحاز للإسلام، والمقدر للتضحية والبطولة في مواجهة الظلم والجبروت.لا خلاف على أن هذا الفوز يشكل تحديا لحركة النهضة، هي الخارجة لتوها من وضع استثنائي تمثل في ملاحقة أمنية بالغة البشاعة، لكن الحركة ستكون قادرة -بإذن الله- على تجاوز هذا التحدي وصياغة برامج تحمل الشعب التونسي نحو آفاق جديدة عنوانها الأمل بالمستقبل والحرية والكرامة والرخاء.لن يأخذ قادة الحركة الغرور بالفوز، فهم عايشوا تجارب كثيرة ومريرة لهم ولسواهم من القوى الإسلامية، وسيبذلون كل جهد ممكن من أجل بناء تحالفات مع القوى الوطنية الأخرى وصولا إلى حكومة ائتلاف وطني تعبر عن التونسيين وتحقق آمالهم.على أن القوى الأخرى، ومنها يسارية وعلمانية حصلت على حصة معقولة لن تستسلم لهذه النتيجة، وستعمل كل ما في وسعها من أجل وضع العصي في الدواليب، بما فيها تلك القوى التي عاشت عقودا في ظل فساد النظام واستفادت منه على مختلف الصعد، من دون أن نستبعد تعاون بعض الأحزاب مع النهضة في بناء المرحلة الجديدة.في الدول الشمولية يفسد كل شيء، وتشكيل حكومة لن يمنح أصحابها القدرة على إصلاح الأمر بضربة سحرية.هي مهمة بالغة الصعوبة دون شك، لكن التوانسة يدركون ذلك كله، وسيمنحون حكومتهم الجديدة فرصة التغيير المتدرج وصولا إلى دولة مدنية تعلي من شأن حقوق الإنسان بعيدا عن الوصاية عليه من قبل أي أحد، وتلبي احتياجاته الأخرى بكل ما أوتيت من طاقة وقدرة.هو تحد من دون شك، لكننا واثقون من أن نهضويي تونس سيكونون على قدر التحدي ويمنحون الأمل لإخوانهم الآخرين في أكثر من بلد عربي بأن المستقبل هو للقوى الإسلامية التي ترفض التبعية للغرب، وتصر على تبني قضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.

نقلاً عن جريدة الدستور

مشاركة مميزة