السبت، 29 أكتوبر 2011

الغفلة عن موطن العبرة في نهاية القذافي

kolonagaza7

أحمد أبورتيمة
abu-rtema@hotmail.com
تجد فريقاً من الناس يظهرون رحمةً في غير موضعها حين يعبرون عن حزنهم للطريقة البربرية التي قتل بها القذافي، ويتغافلون عن سنوات طويلة من الظلم والاستبداد والقتل مارسها ضد شعبه قادت إلى هذه النهاية..
مشكلة هؤلاء أنهم عاطفيون يسيطر عليهم انفعال اللحظة الراهنة دون أن يربطوها بما قبلها وما بعدها، فهم يعانون من قصر في الذاكرة ينسيهم أنهم هم أنفسهم الذين كانوا يستعجلون نهاية القذافي بالأمس، فلما رأوها واقعةً أمامهم نسوا ما كانوا به يستعجلون..
من المؤسف ألا تكون هذه الأحكام الانفعالية قاصرةً على عامة الناس، بل يتورط فيها كتاب ومثقفون تظهر في كتاباتهم تقلباتهم المزاجية، وهم الذين كان يفترض أن يقودوا الجماهير برؤية متزنة لا أن تقودهم عواطفهم..
لا نناقش في بربرية الطريقة التي قتل بها القذافي، لكننا نأخذ على هذا الفريق أنهم يسلطون الضوء على هذا الجانب وكأنه هو القضية ويغفلون عن المقدمات التي أوصلت إليها وهي اثنان وأربعون عاماً من الاستكبار والعلو والفساد في الأرض وسفك الدماء..
نحن لا ندعو إلى قسوة القلب ولا نطالب بالفرح أو الشماتة بمقتل القذافي، ولا نشرعن أيضاً طريقة قتله، كل ما ندعو إليه هو ضرورة الانتباه إلى جانب العظة والعبرة، وإبصار المسألة في سياق تاريخي، فنحن ننظر إلى نهاية القذافي المروعة نظرةً قدريةً تتعلق بسنة الله التي لا تتبدل ولا تتحول عبر التاريخ، والتي عملت عملها في الأولين ولن يكون الآخرون استثناءً منها، ولا ننظر إليها من زاوية من قاموا بقتله، فهؤلاء مجرد أسباب لإمضاء قدر نافذ لا محالة بأيديهم أو بأيدي غيرهم..
حين ننظر للمسألة في سياق تاريخي سندرك أن هذه النهاية جاءت طبيعيةً وفق المقدمات التي صنعها هو بنفسه، وهي شبيهة بنهاية كثيرين من الطغاة الذين سبقوه من أمثال هتلر وتشاوشيسكو وشاه إيران وصدام وغيرهم..
هؤلاء الحزينون على القذافي يسيرون خطأً على مبدأ "اذكروا محاسن موتاكم" ويطبقونه في غير موضعه فكلما مات طاغية حتى لو ارتكب في حياته كل الموبقات، وملأ الأرض فساداً وشروراً يحولونه إلى قديس طاهر، وهو ذاته الذي كانوا يوسعونه لعناً وشتماً بالأمس القريب..
مشكلة هذه الرؤية العاطفية أنها تعمي أبصار أصحابها عن رؤية موطن العظة والعبرة في أحداث التاريخ، فلا يبصرون في المشهد آيةً في إهلاك الظالمين، ولا ينتفعون من الآيات البينات في زيادة إيمانهم..
الأحكام العاطفية دلالة نظرة جزئية محدودة، والقدر يمشي وفق خطة محكمة لا تتغير تبعاً لأهواء البشر، فالله عز وجل لا يستعجل بعجلة أحد، وهو يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ربما يملي للظالم أعواماً أو عقوداً يتركه يتمادى في إجرامه، وهو لا يبالي بعجلة الناس، ولكن حين تحين ساعة الظالم فإنه يأخذه أخذاً أليماً شديداً لا يؤخره عن أجله، ولا يلتفت حينها أيضاً إلى عواطف البشر التي لا تدل إلا على نظرة جزئية..
هناك جانب مأساوي ولا شك في نهاية القذافي المروعة، ولكن هذه المأساوية ذاتها هي التي تكشف جانب العدل والحكمة..فهذه النهاية الأليمة تبين أن الله كان يستدرجه من حيث لا يعلم، وأنه كان يملي له ليزداد إثماً، وأنه لم يكن غافلاً عن ظلمه، وأن هناك توافقاً عجيباً بين طريقة حياة البشر وعاقبة مآلهم، فهذا الذي طغى في البلاد فأكثر فيها الفساد، وكان يستكبر على شعبه جاء جزاؤه من جنسه عمله حين وجد نفسه بعد كل سنوات الكبر والاستعلاء يتوسل إلى من كان يصفهم بالجرذان ويستجديهم حياته، ثم يقتل أبشع قتلة جزاءً وفاقاً على قتله أبناء شعبه ليغدو مثلاً للآخرين..
القرآن يلفت أنظارنا في مئات الآيات إلى ضرورة الاعتبار من أحداث التاريخ "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين"..ولا توجد آية أوضح من آية قتل القذافي في هذه الأيام للاعتبار بنهاية القوم الظالمين..
والخشية هي أن تؤدي الرحمة في غير موضعها إلى الغفلة عن آيات الله، وعدم التفطن لمراده عز وجل في أحداث التاريخ وعواقبها..
إن مقتضى الإيمان في مثل هذه الحالة لا يكون بالفرح والشماتة ولا بالرحمة الزائفة، بل يكون بأن يتذكر الإنسان المقدمات التي قادت إلى هذه العاقبة، وأن يخشع قلبه وهو يتلو قول الله تعالى: "أليس الله بعزيز ذي انتقام"..
والله أعلم
المصدر صحيفة فلسطين

مشاركة مميزة