kolonagaza7
د.عادل محمد عايش الأسطل
لعل هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل الخطرة، التي تواجهها (إسرائيل)، حيث تشكلت خلالها، سُحب العديد من القضايا، ومن حيث لا تعلم، طوّقتها من جميع جوانبها، وأدخلتها في عدد من الأزمات المعضلات، بحيث لا شفاء منها، إن لم تكن المُقعِدة. موجة عارمة من الثورات والإصلاحات، عمّت العالم العربي من شرقه إلى غربه، أيضاً القضية النووية الإيرانية، إضافةً إلى استمرارية تدهور العلاقات الإسرائيلية- الإقليمية والدولية، إلى جانب الشعور الزائد لدى الشارع الإسرائيلي، بمواصلة التحرك، نحو حياةٍ أفضل، حيث باب الإضرابات لا يزال مفتوحاً ولم يغلق بعد، بالرغم من قبول الحكومة المضطرب، بتطبيق توصيات تقرير"ترختنبيرغ" على حساب ميزانية الدفاع والأمن، في مرحلة مليئة بعدم اليقين والتهديدات المحتملة، كما أوضح رئيس الأركان "بيني جانتس".
والأهم من ذلك كله، حليفها الأكبر والأهم "الولايات المتحدة" التي تمر بمرحلة اختبار غير معهودة، هذه الأمور مجتمعة، من غير شك، من شأنها خلق وتعظيم تداعيات سياسية وأمنية مثيرة للقلق الإسرائيلي، على نحو أكثر بكثير مما كان قد حصل من قبل، الأمر الذي جعل الساسة وقادة الأمن في (إسرائيل)، وعلى كافة المستويات، في عجلةٍ من أمرهم، لإجراء نظرة تفحصية لجملة التطورات خطوة بخطوة، ومن خلال حركة دائمة وتفاعلٍ مستمر، بغية البحث عن السبل المريحة، والكفيلة للفكاك مما تعانيه الدولة، ولإيجاد قدرٍ من الاستطاعة، للحفاظ على التوازنات السياسية والأمنية، على ما درجت عليه وألفته وقتاً طويلاً، ولكن من غير نتائج يُعتد بها وحتى يومنا هذا، لأنه وكما يبدو، فإن السير الإسرائيلي، هو في الاتجاه غير الصحيح أو في الاتجاه المعاكس، بحيث لا ندري على ماذا يستند الرهان الإسرائيلي، لتفادي كل تلك التداعيات والأخطار المحدقة، في هذه المرحلة وما يُستقبل من الأيام.
في الأيام الفائتة وفي خطوةٍ تالية، قام وزير الدفاع "الإسرائيلي إيهود باراك"، في محاولة لترتيب ورشة عمل مركبة، لتقييم التطورات السياسية والأمنية القائمة والمتوقعة، بدايةً بجملة أحداث "الربيع العربي" وتأثيرها على الوضع السياسي والأمني الإسرائيليين. وغيرها من القضايا المؤثرة في الشأن الإسرائيلي، بغية إيجاد أمور عملية لإستراتيجية محددة تصلح لما هو آت.
ولهذه الغاية، استدعى "باراك" كبار ممثلي جميع المؤسسات الرسمية في الدولة، السياسية والعسكرية والأمنية، وكبار صانعي القرار في الحكومة، لتبادل الأفكار ولتحديد الإستراتيجية الواجب اتخاذها والعمل من خلالها، بغية التوصل إلى استنتاجات، تفضي إلى اعتماد عمليات إجرائية لازمة لمرحلة أو أكثر، وفيما إذا كان بالاستطاعة، الإعداد لخيارات أمنية، أو خطوات سياسية أو كلاهما معاً، ينبغي أو يمكن لدولة إسرائيل أن تتخذها، في ضوء تلك التطورات الحاصلة في المنطقة، لحماية وجودها ومصالحها الحيوية والمصيرية.
وكان "باراك" حذر من تعاظم الدور المتصاعد للإسلاميين في المنطقة العربية، وحث جيشه على التزود بالعتاد استعداداً للمواجهة، في إشارة واضحة من أن يؤدي الربيع العربي إلى شتاء إسلامي.
إن انتصار الإسلاميين في تونس، كأول نتيجة تحصدها الثورات العربية، هو بلا شك من أهم العوامل المزعجة لإسرائيل، بغض النظر عن القرب والبعد، ولكن هناك ما هو أقرب، وهو المد الإسلامي من خلال "النهضة" التي ستسيطر على الأمور هناك، وهذا من شأنه، التأثير على مصير (إسرائيل) بشكل مباشر، لا سيما وأن الإسلاميين يقبعون في المركز الإسرائيلي وليس بعيدين عنه، الأمر الذي في حال تلقيه للمدد – المعنوي على الأقل- ستبدو إسرائيل تعوم في (الهواء الإسلامي)، وهذا الأمر لا تستطيع (إسرائيل) حتى مجرد تصوره.
لا يقل أهمية في هذا السياق، والذي تتمنى (إسرائيل) تجنبه، هو البرنامج النووي الإيراني. فمنذ أوائل سنوات هذا القرن، كانت تخشى(إسرائيل) من الاتجاه الإيراني، أكثر مما مضى، في ضوء حركتها الدائبة نحو التسلح التقليدي، الذي تزامن أيضاً بتصاعد اللهجة الإيرانية تجاهها، وزاد الأمر تعقيداً، البرنامج النووي، وتحديداً فيما تدعي إسرائيل، الجانب العسكري منه، التي دأبت إسرائيل على التهديدات المتتالية باستهدافه، وحتى وقت قريب، حين أوردت الصحافة الإسرائيلية أنباءً تحمل نوايا انفرادية بين قطبي السياسة والأمن "نتانياهو وباراك"، بغية الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وبدون الرجوع إلى الولايات المتحدة، أو حتى للأجهزة الأمنية لديها، لتجاوز النقاشات والآراء المعارضة للعملية العسكرية الإسرائيلية، وخاصةً من قبل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، لأن لهم وبوضوح وجهات نظر مختلفة تماماً، عن التي يراها كل من "نتانياهو وباراك"، وهي تتصارع منذ الماضي ضد هذا الهجوم الموعود، إذ لم يقتنع العديد من الوزراء وكبار مسئولي الدفاع، لا في الماضي ولا الحاضر بتلك الخطوة، حين وصفوا الخطوة المنتظرة "بالغبيّة".
ورغم كل ذلك لم ينشغل بها الرجلين، "نتانياهو وباراك" على ما يبدو، فمن حيث المبدأ يدعمان الهجوم، ولكنهما يبحثان قراراً بشأن التوقيت الأنسب لذلك العمل العسكري، وكأن الأمر بات مضموناً ومفروغاً منه، وتحصيل حاصل، أو كأن إسرائيل فقط، تريد توريط الولايات المتحدة، بعد ورود أنباء عن خروج قواتها من العراق.
إن الهجوم الإسرائيلي، على المنشآت النووية الإيرانية، لا يمكن ضمانه، وبلا شك ستكون له نتائج عكسية مفرطة، كما أن مشجعي الهجوم، ليسوا على قناعة بأن يتحقق تماماً، وبالمقابل فمن يستطيع التنبؤ بأرقام وماهيات الأضرار والخسائر، التي ستتكبدها (إسرائيل) ومن يدور في فلكها، نتيجة لردة الفعل الإيرانية وحلفائها في المنطقة، ناهيك عن الولايات المتحدة، التي تشعر بالعجز من جهة، والمعارضة من قبل دول الجوار الإيراني من جهةٍ أخرى، وبمبرر أنها لم تستنفد بعد، جميع الوسائل السياسية والدبلوماسية التي لا تزال قائمة.
لقد أظهرت الاستنتاجات الأولية من خلال المشاركين في تلك الاجتماعات، في تقييم الوضع السياسي والأمني العام، نسبةً عالية من التشاؤم، وكل ما من شأنه أن لا يُبشر بالخير، وأولها أن هناك فرصة معقولة، لعمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي بدأت تنضج، من خلال نخبة تكون منتبهة إلى حدٍ كبير، لصياغة الأنظمة لشعوبها، وهذا يعني أن المعركة مع إسرائيل لا تزال مفتوحة، ولن تكون هناك من القضايا ذات الأولوية القصوى أكثر من القضية الفلسطينية.
ويزيد الأمر تعقيداً، حينما تأتي مثل هذه المخاوف من النخب الأكثر وضوحاً، صوب تعزيز هذا الاتجاه، والقصد هنا الأحزاب الإسلامية، سواء نتيجة لنجاح الثورات، أو بالتهديدات التي سيقومون بها ضد الأنظمة العربية، التي ما زالت باقية، خاصة وأن هذه الحركات الإسلامية ليست متجانسة بالمرة مع هذه الأنظمة التقليدية، بغض النظر عن عدم تجانسها فيما بينها، لكن هناك هدف مشترك، كفيل بأن يجعلها أكثر تجانساً ولو إلى حين، وفي حال سيطرتها على الحكم، فستكون متشددة، كما هو الحال في تركيا، وستكون أكثر تشدداً إذا أمتد نفوذها في مركز الدولة ومحيطها، فالأمور في ليبيا القريبة على سبيل المثال، وبالرغم من عدم وضوح الرؤية إلى الآن، إلاّ أن من السهل ملاحظة، أن مكونات الثورة هي دينية، وهي تبدو من حيث الأيديولوجيا التابعة لها، قريبة إلى حدٍ ما، من نمط الجهاد العالمي الذي بناه "بن لادن"، التابع للمذهب السني، الذي تدين به أغلب الحركات الإسلامية والأكثر نفوذاً في العالم العربي، على غرار جماعة "الإخوان المسلمين" الذي يغص بأفرادها الشارع العربي.
ومثل هذه الحركات بتطلعاتها الدينية، وتنفيذها العملي، سوف تشعل(المواطنين العاديين) نحو الجهاد (الحرب المقدسة)، وخاصة حماس "الجاهزة" والتي تنتمي إلى هذا التيار، وسيكون تسارعاً أكبر في وتيرة التقدم الإسلامي، بين عامة الحركات الإسلامية، لا سيما وأن هناك تقاطعات مشتركة بينها: الرغبة الأيديولوجية العقائدية، لإقامة دولة دينية (الشريعة) لحكم المسلمين في بلادهم، والرغبة في محو (إسرائيل) من على خريطة المنطقة.
وما هو أسوأ من ذلك، هو أن هناك المقاومة الغير إسلامية، لوجود (إسرائيل) هي أيضاً أرضية مشتركة، ستفرض إجماعاً بين الإسلاميين والعلمانيين، والهيئات والأحزاب السياسية الراديكالية والليبرالية، التي هي نفسها التي قادت موجة الانتفاضات في العالم العربي.
وهناك اتجاه آخر للقلق، وهو ما تشير الاستخبارات إليه في سياق "الربيع العربي" وما أسفرت عنه الثورات، وهو خلق "مناطق" لا يمكن السيطرة عليها، نتيجة لضعف الحكومة المركزية، على سبيل المثال" فقدت مصر السيطرة الأمنية على شبه جزيرة سيناء، وأيضاً الحدود بين (إسرائيل) وسوريا الآن فهي تعتبر من المناطق الخارجة عن السيطرة. وأيضاً منطقة الحدود التي يجري إنشاؤها في القسم الشمالي من الحدود بين سوريا ولبنان، بالرغم من قيام سوريا بزراعتها بالألغام وتشديد الرقابة عليها، فذلك لا يمنع من وجود تسللات ناجحة، والذي من شأنه تعريض (إسرائيل) للخطر، وكذلك الحال في ليبيا فهي أيضاً منطقة غير آمنة وحتى وقت غير معلوم.
هذه الحقائق المباشرة وغيرها بطبيعة الحال، هي من جملة الحقائق الغير سارة (لإسرائيل). وتبرز من كونها، تشكل تهديداً حقيقياً لكيان الدولة، والتي ستبدأ بتفكيك اتفاقات السلام من جانب كل من مصر والأردن، وحتى على برودتها، لكنها على أية حال كانت ولا زالت تشكل رصيداً أمنياً واستراتيجياً، لمجرد إنهاء حالة الحرب، واقتصادياً السوق الأردنية، والغاز والنفط المصري (لإسرائيل)، خاصة وأن الجانب الاقتصادي مهم جداً في هذه المرحلة و(إسرائيل) تشهد تذمر السكان اليهود عموماً، بمن فيهم دافعي الضرائب.
الآن أصبحت هذه الاتفاقات هشة وعرضةً للخطر من أي وقت مضى، لأن النظام في مصر تغيّر، وبدأ بالالتفات عن (إسرائيل) في كثير من الحالات، ومنها إعادة النظر في أسعار الغاز المصري المقدم إلى إسرائيل، والأردن هي حساسة جداً للضغوط ومطالب الجماهير وخاصةً الإسلاميين، ويتضح ذلك جلياً، من خلال إسقاط الحكومات المتتالية، وبالتالي فإن أي حادث غير عادي من قبل (إسرائيل) قد يسبب لها إزعاجاً آخر على نمطٍ أقوى من الإزعاجات المتراكمة، وقد بدا ذلك واضحاً من حديث العاهل الأردني"الملك عبدالله"، وفي ضوء تذمره من التصريحات الإسرائيلية حول الوطن البديل، عن أن هناك إمكانية من الجانب المصري لإنهاء معاهدة السلام مع (إسرائيل)، في إشارة واضحة، بأن الأردن يمكنه فعل ذلك أيضاً.
ولا شك فإن هناك نوعين من الأحداث، التي تعرض للخطر اتفاقات السلام والوضع الأمني، الذي تتمتع به (إسرائيل) لحد الآن، الأول، الهجمات الفدائية من خلال الحدود التي تحيط (بإسرائيل)، والأمر الثاني إطلاق الصواريخ من داخل قطاع غزة من الجنوب ولبنان من الشمال، وفي ضوء ذلك لن تكون الضفة الغربية، بمنأى عن الحراك العسكري، لا سيما وأن جزءاً مهماً منها، يتبع الجهات الإسلامية، وخاصةً بعد استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة، و تزايد جمهورها بعد صفقة الأسرى التي أبرمت مؤخراً.
وهناك نوعين أيضاً من الأحداث التي تؤدي إلى تصعيد الصراعات، العسكرية والسياسية، التي من شأنها أن يتشارك ليس فقط الفلسطينيين وحزب الله، ولكن أيضاً مصر والأردن، وربما تركيا، التي شهدت علاقاتها تدهوراً خطيراً مع (إسرائيل) في الماضي وحتى الآن، في ضوء ما تقوم به من خطوات إيجابية سريعة وشجاعة مع الجانب العربي، وبالمقابل استطاعت إيضاح موقفها "المعادي" بالنسبة للسلوك الإسرائيلي، وهذا ما أكده ويؤكده العديد من القادة العسكريين والأمنيين، ومنهم رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، شاؤول موفاز.
ربما ستكون(إسرائيل) قادرة كما يقول بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين، على التعامل مع مثل هذه الحالة، ولكن بالطبع حريق كبير ستكون (إسرائيل) في مركزه وستدفع ثمن الخسائر المادية والمعنوية، والأضرار الاقتصادية والعزلة السياسية الإضافية.
بالتالي، وكما يقول بعض القادة من التيار المتشائم، يتوجب أن يكون الهدف الاستراتيجي (لإسرائيل) في الفترة الحالية هي الحصول على كيفية عبور فترة خطيرة ومشوشة من هذا النوع، خاصةً وأنها في عهدة عدم اليقين، التي أوجدها لها "الربيع العربي" من دون الدخول في مواجهات أمنية أو عسكرية لحد الآن، فكيف لو تصورنا أن ذلك سيحدث لا محالة؟
إن إسرائيل تنظر بقلق بالغ لتلك الأحداث، التي تمر بها المنطقة والتقلبات السياسية المصاحبة، وتحاول دراسة العواقب المترتبة على أي عمل (رسمي) من قبيل التراجعات عن الاتفاقيات المبرمة، أو من قبيل نوع من أنواع الأعمال الفردية، من قبل الجماعات المختلفة، التي ستحاول حسب تقارير إسرائيلية، الدخول من قطاع غزة وسيناء أو لبنان، ومع ذلك تعمل (إسرائيل) على ألاّ تفقد قوة الردع التي لديها، والتي لا تزال تمسك بجزءٍ منه، وأن تتصرف كما يقول قادتها، بحزم وبقوة كبيرة بغية إحباط أي تهديدات داخلية أو خارجية، وهذا قد لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، وفي الوقت المنظور.
وفي ضوء ما تقدم فإن (إسرائيل) ليس في استطاعتها فعل أي شيء، وفقط ستلجأ إلى فعل الممكن والأقل ضرراً كما تراه من وجهة نظرها، لتبريد الأرض الساخنة تحت أقدامها، وهو أن تعمل أولاً وقبل كل شيء، على الحفاظ على استقرار حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة (محمود عباس وسلام فياض)، من حيث المساعدة في تعزيز الازدهار الاقتصادي للفلسطينيين، منذ الآن وعلى مدى المستقبل، بغض النظر عن الفترة التي ستشهد غياب "أبو مازن" في حال عدم مكوثه في منصبه، وحتى إذا لم يُعرف من هو القادم. وبالرغم من التشدد الأخير الذي بدا عليه "أبو مازن" الذي ترك أثراً سلبياً اتجاه تجديد أو مواصلة المفاوضات، والتي تقترب من التجاوب، مع الضغوط المتواصلة من قبل حركة حماس، بعدم مواصلة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، خاصةً وأن حماس ملتزمة أيديولوجياً بعدم الاعتراف بدولة (إسرائيل) وترى في الكفاح المسلح، الطريق الأنسب لاسترجاع الحقوق الفلسطينية.
إن إسرائيل لهذا التقييم بالذات، ترى نفسها مُلزمة بضرورة الحفاظ على سلطة الرئيس (عباس) وحكومة (فياض). بغض النظر عن الخلافات المندلعة، في ضوء الجمود السياسي، وما ستترتب عليه الخطوة الفلسطينية في مجلس الأمن من مسألة الاعتراف بالدولة، إذ أن الوقت ينفذ بسرعة، وعندها ستكون الأمور أكثر وضوحاً.
لهذا فإن (إسرائيل) تتكلم في القديم الجديد، حول تعزيز السلطة في رام الله، وتعلن بأنه سيتم إطلاق سراح (550) في غضون شهرين، معظمهم من فتح إضافةً إلى أسرى آخرين، وستنقل مناطق خالية من المستوطنات اليهودية، شمال الضفة الغربية للسيطرة الفلسطينية، وإزالة نقاط تفتيش إضافية، ونقل رفاة فلسطينيين دفنوا في وادي الأردن ومناطق أخرى إلى السلطة، إلى جانب حث الكونغرس الأمريكي، لمنع حدوث أي تأخير، في استئناف المساعدات المالية لسلطة الرئيس عباس.
لفتات من هذا القبيل، تعتقد (إسرائيل) أنها ستضعف من هيبة حماس في صفوف الفلسطينيين نتيجة لصفقة شاليط، والسماح للسلطة للفوز في الانتخابات، قد تكون – في الفكر الإسرائيلي- بمثابة حافزاً للرئيس عباس، على قبول اقتراحات اللجنة الرباعية لاستئناف المفاوضات المباشرة معها، بهدف التوصل إلى تسوية مريحة للدولة الإسرائيلية.
هذا جانب من التفكير الإسرائيلي بكافة مستوياته، في أي فتات يمكن أن يتلهى به الرئيس "أبو مازن" أو من هم خلف الرئيس "أبومازن"، مما يدلل على قصر النظر الإسرائيلي، وتكريساً لتخبطه في سياساته المضطربة والعقيمة.
ولنصارح أنفسنا مرة، إن إسرائيل الآن ليست بعيدة عن الخسران الأخير، لكن الذي يمكّنها لبعض الوقت ليست معلومة مدته، هو التسرّع الغير مبرر في الهرولة نحو المفاوضات- وإن كانت متوقفة- ونحو الولايات المتحدة واللجنة الرباعية وغيرها، ولا أريد أن أطيل ولكن ذلك هو تماماً ما يُطيل من عمر الدولة.
وهناك أمران آخران من شأنهما إطالة عمرها أيضاً، الأول، انشغال الدول العربية بأمورها الداخلية، سواءً من دول الربيع العربي(الفوضى بين الأحزاب) أو الدول التي مازلت الولايات المتحدة تحافظ على أنظمتها وهو ما تحاول (إسرائيل) أن تعكف عليه لإفادتها من تلك التجربة طوال المدة السابقة، والثاني، مواصلة تآكل الاقتصادات للدول العربية وخاصةً دول الطوق، بما في ذلك حزب الله، وحركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم، خاصةً وأن الدول صاحبة الثورات، هي بلا شك منشغلةً جداً مع اقتصاداتها المنهارة. التي أضعفتها ثورتها، والتي من شأنها أن تكون دائماً في حاجة ماسة، إلى مساعدة الدول الغربية وخاصة المساعدات من جانب الولايات المتحدة، ولكن حتى في ظل حدوث ذلك، فإن (إسرائيل) ستظل دائماً مضطربة، وفي حالة قلقٍ دائمة.
لعل هذه المرحلة تعتبر من أهم المراحل الخطرة، التي تواجهها (إسرائيل)، حيث تشكلت خلالها، سُحب العديد من القضايا، ومن حيث لا تعلم، طوّقتها من جميع جوانبها، وأدخلتها في عدد من الأزمات المعضلات، بحيث لا شفاء منها، إن لم تكن المُقعِدة. موجة عارمة من الثورات والإصلاحات، عمّت العالم العربي من شرقه إلى غربه، أيضاً القضية النووية الإيرانية، إضافةً إلى استمرارية تدهور العلاقات الإسرائيلية- الإقليمية والدولية، إلى جانب الشعور الزائد لدى الشارع الإسرائيلي، بمواصلة التحرك، نحو حياةٍ أفضل، حيث باب الإضرابات لا يزال مفتوحاً ولم يغلق بعد، بالرغم من قبول الحكومة المضطرب، بتطبيق توصيات تقرير"ترختنبيرغ" على حساب ميزانية الدفاع والأمن، في مرحلة مليئة بعدم اليقين والتهديدات المحتملة، كما أوضح رئيس الأركان "بيني جانتس".
والأهم من ذلك كله، حليفها الأكبر والأهم "الولايات المتحدة" التي تمر بمرحلة اختبار غير معهودة، هذه الأمور مجتمعة، من غير شك، من شأنها خلق وتعظيم تداعيات سياسية وأمنية مثيرة للقلق الإسرائيلي، على نحو أكثر بكثير مما كان قد حصل من قبل، الأمر الذي جعل الساسة وقادة الأمن في (إسرائيل)، وعلى كافة المستويات، في عجلةٍ من أمرهم، لإجراء نظرة تفحصية لجملة التطورات خطوة بخطوة، ومن خلال حركة دائمة وتفاعلٍ مستمر، بغية البحث عن السبل المريحة، والكفيلة للفكاك مما تعانيه الدولة، ولإيجاد قدرٍ من الاستطاعة، للحفاظ على التوازنات السياسية والأمنية، على ما درجت عليه وألفته وقتاً طويلاً، ولكن من غير نتائج يُعتد بها وحتى يومنا هذا، لأنه وكما يبدو، فإن السير الإسرائيلي، هو في الاتجاه غير الصحيح أو في الاتجاه المعاكس، بحيث لا ندري على ماذا يستند الرهان الإسرائيلي، لتفادي كل تلك التداعيات والأخطار المحدقة، في هذه المرحلة وما يُستقبل من الأيام.
في الأيام الفائتة وفي خطوةٍ تالية، قام وزير الدفاع "الإسرائيلي إيهود باراك"، في محاولة لترتيب ورشة عمل مركبة، لتقييم التطورات السياسية والأمنية القائمة والمتوقعة، بدايةً بجملة أحداث "الربيع العربي" وتأثيرها على الوضع السياسي والأمني الإسرائيليين. وغيرها من القضايا المؤثرة في الشأن الإسرائيلي، بغية إيجاد أمور عملية لإستراتيجية محددة تصلح لما هو آت.
ولهذه الغاية، استدعى "باراك" كبار ممثلي جميع المؤسسات الرسمية في الدولة، السياسية والعسكرية والأمنية، وكبار صانعي القرار في الحكومة، لتبادل الأفكار ولتحديد الإستراتيجية الواجب اتخاذها والعمل من خلالها، بغية التوصل إلى استنتاجات، تفضي إلى اعتماد عمليات إجرائية لازمة لمرحلة أو أكثر، وفيما إذا كان بالاستطاعة، الإعداد لخيارات أمنية، أو خطوات سياسية أو كلاهما معاً، ينبغي أو يمكن لدولة إسرائيل أن تتخذها، في ضوء تلك التطورات الحاصلة في المنطقة، لحماية وجودها ومصالحها الحيوية والمصيرية.
وكان "باراك" حذر من تعاظم الدور المتصاعد للإسلاميين في المنطقة العربية، وحث جيشه على التزود بالعتاد استعداداً للمواجهة، في إشارة واضحة من أن يؤدي الربيع العربي إلى شتاء إسلامي.
إن انتصار الإسلاميين في تونس، كأول نتيجة تحصدها الثورات العربية، هو بلا شك من أهم العوامل المزعجة لإسرائيل، بغض النظر عن القرب والبعد، ولكن هناك ما هو أقرب، وهو المد الإسلامي من خلال "النهضة" التي ستسيطر على الأمور هناك، وهذا من شأنه، التأثير على مصير (إسرائيل) بشكل مباشر، لا سيما وأن الإسلاميين يقبعون في المركز الإسرائيلي وليس بعيدين عنه، الأمر الذي في حال تلقيه للمدد – المعنوي على الأقل- ستبدو إسرائيل تعوم في (الهواء الإسلامي)، وهذا الأمر لا تستطيع (إسرائيل) حتى مجرد تصوره.
لا يقل أهمية في هذا السياق، والذي تتمنى (إسرائيل) تجنبه، هو البرنامج النووي الإيراني. فمنذ أوائل سنوات هذا القرن، كانت تخشى(إسرائيل) من الاتجاه الإيراني، أكثر مما مضى، في ضوء حركتها الدائبة نحو التسلح التقليدي، الذي تزامن أيضاً بتصاعد اللهجة الإيرانية تجاهها، وزاد الأمر تعقيداً، البرنامج النووي، وتحديداً فيما تدعي إسرائيل، الجانب العسكري منه، التي دأبت إسرائيل على التهديدات المتتالية باستهدافه، وحتى وقت قريب، حين أوردت الصحافة الإسرائيلية أنباءً تحمل نوايا انفرادية بين قطبي السياسة والأمن "نتانياهو وباراك"، بغية الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، وبدون الرجوع إلى الولايات المتحدة، أو حتى للأجهزة الأمنية لديها، لتجاوز النقاشات والآراء المعارضة للعملية العسكرية الإسرائيلية، وخاصةً من قبل الأجهزة الأمنية والمخابراتية، لأن لهم وبوضوح وجهات نظر مختلفة تماماً، عن التي يراها كل من "نتانياهو وباراك"، وهي تتصارع منذ الماضي ضد هذا الهجوم الموعود، إذ لم يقتنع العديد من الوزراء وكبار مسئولي الدفاع، لا في الماضي ولا الحاضر بتلك الخطوة، حين وصفوا الخطوة المنتظرة "بالغبيّة".
ورغم كل ذلك لم ينشغل بها الرجلين، "نتانياهو وباراك" على ما يبدو، فمن حيث المبدأ يدعمان الهجوم، ولكنهما يبحثان قراراً بشأن التوقيت الأنسب لذلك العمل العسكري، وكأن الأمر بات مضموناً ومفروغاً منه، وتحصيل حاصل، أو كأن إسرائيل فقط، تريد توريط الولايات المتحدة، بعد ورود أنباء عن خروج قواتها من العراق.
إن الهجوم الإسرائيلي، على المنشآت النووية الإيرانية، لا يمكن ضمانه، وبلا شك ستكون له نتائج عكسية مفرطة، كما أن مشجعي الهجوم، ليسوا على قناعة بأن يتحقق تماماً، وبالمقابل فمن يستطيع التنبؤ بأرقام وماهيات الأضرار والخسائر، التي ستتكبدها (إسرائيل) ومن يدور في فلكها، نتيجة لردة الفعل الإيرانية وحلفائها في المنطقة، ناهيك عن الولايات المتحدة، التي تشعر بالعجز من جهة، والمعارضة من قبل دول الجوار الإيراني من جهةٍ أخرى، وبمبرر أنها لم تستنفد بعد، جميع الوسائل السياسية والدبلوماسية التي لا تزال قائمة.
لقد أظهرت الاستنتاجات الأولية من خلال المشاركين في تلك الاجتماعات، في تقييم الوضع السياسي والأمني العام، نسبةً عالية من التشاؤم، وكل ما من شأنه أن لا يُبشر بالخير، وأولها أن هناك فرصة معقولة، لعمليات التحول الديمقراطي في العالم العربي بدأت تنضج، من خلال نخبة تكون منتبهة إلى حدٍ كبير، لصياغة الأنظمة لشعوبها، وهذا يعني أن المعركة مع إسرائيل لا تزال مفتوحة، ولن تكون هناك من القضايا ذات الأولوية القصوى أكثر من القضية الفلسطينية.
ويزيد الأمر تعقيداً، حينما تأتي مثل هذه المخاوف من النخب الأكثر وضوحاً، صوب تعزيز هذا الاتجاه، والقصد هنا الأحزاب الإسلامية، سواء نتيجة لنجاح الثورات، أو بالتهديدات التي سيقومون بها ضد الأنظمة العربية، التي ما زالت باقية، خاصة وأن هذه الحركات الإسلامية ليست متجانسة بالمرة مع هذه الأنظمة التقليدية، بغض النظر عن عدم تجانسها فيما بينها، لكن هناك هدف مشترك، كفيل بأن يجعلها أكثر تجانساً ولو إلى حين، وفي حال سيطرتها على الحكم، فستكون متشددة، كما هو الحال في تركيا، وستكون أكثر تشدداً إذا أمتد نفوذها في مركز الدولة ومحيطها، فالأمور في ليبيا القريبة على سبيل المثال، وبالرغم من عدم وضوح الرؤية إلى الآن، إلاّ أن من السهل ملاحظة، أن مكونات الثورة هي دينية، وهي تبدو من حيث الأيديولوجيا التابعة لها، قريبة إلى حدٍ ما، من نمط الجهاد العالمي الذي بناه "بن لادن"، التابع للمذهب السني، الذي تدين به أغلب الحركات الإسلامية والأكثر نفوذاً في العالم العربي، على غرار جماعة "الإخوان المسلمين" الذي يغص بأفرادها الشارع العربي.
ومثل هذه الحركات بتطلعاتها الدينية، وتنفيذها العملي، سوف تشعل(المواطنين العاديين) نحو الجهاد (الحرب المقدسة)، وخاصة حماس "الجاهزة" والتي تنتمي إلى هذا التيار، وسيكون تسارعاً أكبر في وتيرة التقدم الإسلامي، بين عامة الحركات الإسلامية، لا سيما وأن هناك تقاطعات مشتركة بينها: الرغبة الأيديولوجية العقائدية، لإقامة دولة دينية (الشريعة) لحكم المسلمين في بلادهم، والرغبة في محو (إسرائيل) من على خريطة المنطقة.
وما هو أسوأ من ذلك، هو أن هناك المقاومة الغير إسلامية، لوجود (إسرائيل) هي أيضاً أرضية مشتركة، ستفرض إجماعاً بين الإسلاميين والعلمانيين، والهيئات والأحزاب السياسية الراديكالية والليبرالية، التي هي نفسها التي قادت موجة الانتفاضات في العالم العربي.
وهناك اتجاه آخر للقلق، وهو ما تشير الاستخبارات إليه في سياق "الربيع العربي" وما أسفرت عنه الثورات، وهو خلق "مناطق" لا يمكن السيطرة عليها، نتيجة لضعف الحكومة المركزية، على سبيل المثال" فقدت مصر السيطرة الأمنية على شبه جزيرة سيناء، وأيضاً الحدود بين (إسرائيل) وسوريا الآن فهي تعتبر من المناطق الخارجة عن السيطرة. وأيضاً منطقة الحدود التي يجري إنشاؤها في القسم الشمالي من الحدود بين سوريا ولبنان، بالرغم من قيام سوريا بزراعتها بالألغام وتشديد الرقابة عليها، فذلك لا يمنع من وجود تسللات ناجحة، والذي من شأنه تعريض (إسرائيل) للخطر، وكذلك الحال في ليبيا فهي أيضاً منطقة غير آمنة وحتى وقت غير معلوم.
هذه الحقائق المباشرة وغيرها بطبيعة الحال، هي من جملة الحقائق الغير سارة (لإسرائيل). وتبرز من كونها، تشكل تهديداً حقيقياً لكيان الدولة، والتي ستبدأ بتفكيك اتفاقات السلام من جانب كل من مصر والأردن، وحتى على برودتها، لكنها على أية حال كانت ولا زالت تشكل رصيداً أمنياً واستراتيجياً، لمجرد إنهاء حالة الحرب، واقتصادياً السوق الأردنية، والغاز والنفط المصري (لإسرائيل)، خاصة وأن الجانب الاقتصادي مهم جداً في هذه المرحلة و(إسرائيل) تشهد تذمر السكان اليهود عموماً، بمن فيهم دافعي الضرائب.
الآن أصبحت هذه الاتفاقات هشة وعرضةً للخطر من أي وقت مضى، لأن النظام في مصر تغيّر، وبدأ بالالتفات عن (إسرائيل) في كثير من الحالات، ومنها إعادة النظر في أسعار الغاز المصري المقدم إلى إسرائيل، والأردن هي حساسة جداً للضغوط ومطالب الجماهير وخاصةً الإسلاميين، ويتضح ذلك جلياً، من خلال إسقاط الحكومات المتتالية، وبالتالي فإن أي حادث غير عادي من قبل (إسرائيل) قد يسبب لها إزعاجاً آخر على نمطٍ أقوى من الإزعاجات المتراكمة، وقد بدا ذلك واضحاً من حديث العاهل الأردني"الملك عبدالله"، وفي ضوء تذمره من التصريحات الإسرائيلية حول الوطن البديل، عن أن هناك إمكانية من الجانب المصري لإنهاء معاهدة السلام مع (إسرائيل)، في إشارة واضحة، بأن الأردن يمكنه فعل ذلك أيضاً.
ولا شك فإن هناك نوعين من الأحداث، التي تعرض للخطر اتفاقات السلام والوضع الأمني، الذي تتمتع به (إسرائيل) لحد الآن، الأول، الهجمات الفدائية من خلال الحدود التي تحيط (بإسرائيل)، والأمر الثاني إطلاق الصواريخ من داخل قطاع غزة من الجنوب ولبنان من الشمال، وفي ضوء ذلك لن تكون الضفة الغربية، بمنأى عن الحراك العسكري، لا سيما وأن جزءاً مهماً منها، يتبع الجهات الإسلامية، وخاصةً بعد استيلاء حماس على السلطة في قطاع غزة، و تزايد جمهورها بعد صفقة الأسرى التي أبرمت مؤخراً.
وهناك نوعين أيضاً من الأحداث التي تؤدي إلى تصعيد الصراعات، العسكرية والسياسية، التي من شأنها أن يتشارك ليس فقط الفلسطينيين وحزب الله، ولكن أيضاً مصر والأردن، وربما تركيا، التي شهدت علاقاتها تدهوراً خطيراً مع (إسرائيل) في الماضي وحتى الآن، في ضوء ما تقوم به من خطوات إيجابية سريعة وشجاعة مع الجانب العربي، وبالمقابل استطاعت إيضاح موقفها "المعادي" بالنسبة للسلوك الإسرائيلي، وهذا ما أكده ويؤكده العديد من القادة العسكريين والأمنيين، ومنهم رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، شاؤول موفاز.
ربما ستكون(إسرائيل) قادرة كما يقول بعض المحللين العسكريين الإسرائيليين، على التعامل مع مثل هذه الحالة، ولكن بالطبع حريق كبير ستكون (إسرائيل) في مركزه وستدفع ثمن الخسائر المادية والمعنوية، والأضرار الاقتصادية والعزلة السياسية الإضافية.
بالتالي، وكما يقول بعض القادة من التيار المتشائم، يتوجب أن يكون الهدف الاستراتيجي (لإسرائيل) في الفترة الحالية هي الحصول على كيفية عبور فترة خطيرة ومشوشة من هذا النوع، خاصةً وأنها في عهدة عدم اليقين، التي أوجدها لها "الربيع العربي" من دون الدخول في مواجهات أمنية أو عسكرية لحد الآن، فكيف لو تصورنا أن ذلك سيحدث لا محالة؟
إن إسرائيل تنظر بقلق بالغ لتلك الأحداث، التي تمر بها المنطقة والتقلبات السياسية المصاحبة، وتحاول دراسة العواقب المترتبة على أي عمل (رسمي) من قبيل التراجعات عن الاتفاقيات المبرمة، أو من قبيل نوع من أنواع الأعمال الفردية، من قبل الجماعات المختلفة، التي ستحاول حسب تقارير إسرائيلية، الدخول من قطاع غزة وسيناء أو لبنان، ومع ذلك تعمل (إسرائيل) على ألاّ تفقد قوة الردع التي لديها، والتي لا تزال تمسك بجزءٍ منه، وأن تتصرف كما يقول قادتها، بحزم وبقوة كبيرة بغية إحباط أي تهديدات داخلية أو خارجية، وهذا قد لا يمكن تطبيقه على أرض الواقع، وفي الوقت المنظور.
وفي ضوء ما تقدم فإن (إسرائيل) ليس في استطاعتها فعل أي شيء، وفقط ستلجأ إلى فعل الممكن والأقل ضرراً كما تراه من وجهة نظرها، لتبريد الأرض الساخنة تحت أقدامها، وهو أن تعمل أولاً وقبل كل شيء، على الحفاظ على استقرار حكومة السلطة الفلسطينية برئاسة (محمود عباس وسلام فياض)، من حيث المساعدة في تعزيز الازدهار الاقتصادي للفلسطينيين، منذ الآن وعلى مدى المستقبل، بغض النظر عن الفترة التي ستشهد غياب "أبو مازن" في حال عدم مكوثه في منصبه، وحتى إذا لم يُعرف من هو القادم. وبالرغم من التشدد الأخير الذي بدا عليه "أبو مازن" الذي ترك أثراً سلبياً اتجاه تجديد أو مواصلة المفاوضات، والتي تقترب من التجاوب، مع الضغوط المتواصلة من قبل حركة حماس، بعدم مواصلة المفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، خاصةً وأن حماس ملتزمة أيديولوجياً بعدم الاعتراف بدولة (إسرائيل) وترى في الكفاح المسلح، الطريق الأنسب لاسترجاع الحقوق الفلسطينية.
إن إسرائيل لهذا التقييم بالذات، ترى نفسها مُلزمة بضرورة الحفاظ على سلطة الرئيس (عباس) وحكومة (فياض). بغض النظر عن الخلافات المندلعة، في ضوء الجمود السياسي، وما ستترتب عليه الخطوة الفلسطينية في مجلس الأمن من مسألة الاعتراف بالدولة، إذ أن الوقت ينفذ بسرعة، وعندها ستكون الأمور أكثر وضوحاً.
لهذا فإن (إسرائيل) تتكلم في القديم الجديد، حول تعزيز السلطة في رام الله، وتعلن بأنه سيتم إطلاق سراح (550) في غضون شهرين، معظمهم من فتح إضافةً إلى أسرى آخرين، وستنقل مناطق خالية من المستوطنات اليهودية، شمال الضفة الغربية للسيطرة الفلسطينية، وإزالة نقاط تفتيش إضافية، ونقل رفاة فلسطينيين دفنوا في وادي الأردن ومناطق أخرى إلى السلطة، إلى جانب حث الكونغرس الأمريكي، لمنع حدوث أي تأخير، في استئناف المساعدات المالية لسلطة الرئيس عباس.
لفتات من هذا القبيل، تعتقد (إسرائيل) أنها ستضعف من هيبة حماس في صفوف الفلسطينيين نتيجة لصفقة شاليط، والسماح للسلطة للفوز في الانتخابات، قد تكون – في الفكر الإسرائيلي- بمثابة حافزاً للرئيس عباس، على قبول اقتراحات اللجنة الرباعية لاستئناف المفاوضات المباشرة معها، بهدف التوصل إلى تسوية مريحة للدولة الإسرائيلية.
هذا جانب من التفكير الإسرائيلي بكافة مستوياته، في أي فتات يمكن أن يتلهى به الرئيس "أبو مازن" أو من هم خلف الرئيس "أبومازن"، مما يدلل على قصر النظر الإسرائيلي، وتكريساً لتخبطه في سياساته المضطربة والعقيمة.
ولنصارح أنفسنا مرة، إن إسرائيل الآن ليست بعيدة عن الخسران الأخير، لكن الذي يمكّنها لبعض الوقت ليست معلومة مدته، هو التسرّع الغير مبرر في الهرولة نحو المفاوضات- وإن كانت متوقفة- ونحو الولايات المتحدة واللجنة الرباعية وغيرها، ولا أريد أن أطيل ولكن ذلك هو تماماً ما يُطيل من عمر الدولة.
وهناك أمران آخران من شأنهما إطالة عمرها أيضاً، الأول، انشغال الدول العربية بأمورها الداخلية، سواءً من دول الربيع العربي(الفوضى بين الأحزاب) أو الدول التي مازلت الولايات المتحدة تحافظ على أنظمتها وهو ما تحاول (إسرائيل) أن تعكف عليه لإفادتها من تلك التجربة طوال المدة السابقة، والثاني، مواصلة تآكل الاقتصادات للدول العربية وخاصةً دول الطوق، بما في ذلك حزب الله، وحركة حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم، خاصةً وأن الدول صاحبة الثورات، هي بلا شك منشغلةً جداً مع اقتصاداتها المنهارة. التي أضعفتها ثورتها، والتي من شأنها أن تكون دائماً في حاجة ماسة، إلى مساعدة الدول الغربية وخاصة المساعدات من جانب الولايات المتحدة، ولكن حتى في ظل حدوث ذلك، فإن (إسرائيل) ستظل دائماً مضطربة، وفي حالة قلقٍ دائمة.