kolonagaza7
بقلم/ سمير العركىما حدث عقب ثورة 25 يناير من هرولة فصائل التيار الإسلامي إلى تأسيس أحزاب سياسية, والاشتراك في أول انتخابات تشهدها مصر بعد الثورة, والفوز الكبير الذي حققه تحالف حزب النور والأحزاب المشتركة معه.كل ذلك يفرض اعتذارا ً واجبا ً للإخوان المسلمين من قبل بقية فصائل التيار الإسلامي التي ظلت لعقود طويلة ترفض العمل السياسي وتحرم تأسيس الأحزاب, وترى الأمر برمته مجرد ملهاة لهدر الوقت وإضاعة الجهود وتشتيت الأولويات وصرف الأنظار عن البدائل الأخرى.هذه الرؤية ظلت تحكم تفكير التيار الإسلامي, عدا الإخوان المسلمين الذين ظلوا يغردون وحدهم ومصرين على قناعتهم الفكرية, رغم ما نالهم من الأذى اللفظي من داخل الحركة نتيجة هذا الإصرار, فقد أصروا على جدوى العمل السياسي وأهمية اختراق المجالس البرلمانية والنقابات المهنية.وقد أفادت هذه التجربة الإخوان كثيرا ً من حيث تربية وإعداد الكوادر السياسية تربية واقعية وسط المعمعة, وهى تفرق كثيرا ً عن التربية السياسية النظرية المعتمدة على المطالعة والمذاكرة, والتي قد تكسب صاحبها علما ً غزيرا ً وثقافة واسعة, ولكنها قد تقصر به عن تحصيل مهارات العمل السياسي اللازمة لخوض غمار التجربة العملية.هذه الاختيارات السابقة ظهر أثرها جليا ً بعد الثورة في جاهزية الإخوان السياسية عن بقية الفصائل الإسلامية التي قد تحتاج إلى مزيد من الوقت لاكتساب الخبرة اللازمة.كما أنها أفرزت جيلا ً داخل الجماعة عركته المعارك السياسية والتجارب البرلمانية بحيث تحول الآن إلى ما يسمى بـ "رجل الدولة", وهى ميزة قد لا تتوفر لغيره كثيرا ً.هذه التجربة يجب أن تدفع الحركة الإسلامية إلى ضرورة إعادة النظر في كيفية بناء السياسات العامة ورسم الاستراتيجيات وتوظيف الدين في خدمة القرارات السياسية والرؤى الاجتهادية.فقد وظفت الأدلة الشرعية قديما لخدمة توجه "حرمة " المشاركة في العمل السياسي, ثم تم توظيفها ثانية من أجل تبرير " وجوب " المشاركة بعد الثورة, مما يفرض علي الحركة ضرورة التوجه صوب بناء مراكز للتفكير المستقبلي تنصب مهمتها على قراءة الواقع قراء سليمة واستشراف المستقبل عبر دراسات علمية رصينة تلتزم بمنهجية البحث العلمي البعيدة عن الهوى والتحيز.كما أن جماعية التفكير واتخاذ القرار سوف تخلص الحركة الإسلامية من النظام "الأبوي" الأحادي, ويوسع مساحات الاختيار ومناطق البدائل, ويقلل الخطأ.كما أن توظيف الدين لتحديد المسارات الكبرى في الحركة يجب أن توكل لما يشبه المجامع الفقهية وعدم الاقتصار على فتاوى آحاد العلماء, فضلا ً عمن هم أقل منهم علما ً أو أهلية للفتوى.ففي مسألة المشاركة السياسية محل البحث والجدل أظن لو أوكلت منذ البداية إلى زمرة من العلماء لدراستها والخروج برأي يتفق مع الشرع والواقع, لوفرت فصائل كثيرة في الحركة على نفسها مسافات عليها أن تقطعها الآن من أجل استدراك ما فاتها زمن التحريم والمنع.ولعل حكمة الله تعالى قد اقتضت اليوم أن يصل الإسلاميون إلى الحكم عبر الإرادة الشعبية ليعود للشعب المصري حقه المسلوب منذ عقود طويلة في تولية من يشاء ومحاسبة وعزل من يشاء.في الوقت ذاته فإن النصيحة التي أراها لازمة في حق الإخوان أن يعيدوا النظر في علاقتهم ببقية أطياف الحركة الإسلامية, فهم الردء والأخ والمعين وهم العمق الاستراتيجي.وإذا كان الماضي قد شهد ابتعادا ً من الإخوان عن بقية الحركة لضغوط النظام السابق الذي أحال الحركة الإسلامية إلى جزر منعزلة, فإن الوضع الآن يفرض مزيدا ً من الاقتراب والتعاون, وهو العبء الملقى على الإخوان باعتبارهم الأقدم وجودا ً والأكثر تنظيما.ولعل الخطوة التي اتخذتها الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بضم ممثلين لجميع أطياف الحركة في مجلس الأمناء يعتبر بداية طيبة للعمل الإسلامي المشترك من أجل المساهمة الجادة في بناء الإنسان المصري وتحقيق المشاريع النهضوية المطلوبة.فالشارع الحكيم لم يأمرنا بإبراز شارات التميز, بقدر ما أمرنا برفع رايات الاتفاق والتوحد وهى كثيرة, بحيث تدفعنا إلى الائتلاف, وأظن أن القناعة الأولى التي يجب أن تستقر في وعينا ووجداننا أننا الآن قد نكون تجاوزنا مرحلة تقوية " التنظيم " و " أدلجة " الوجود, إلى ما هو أعمق وأبعد من ذلك, إلى بناء الدولة المصرية نفسها.وفق الله الجميع إلى ما يحب ويرضى الأربعاء الموافق 17-2-1433هـ11-1-2012م