kolonagaza7
بعد التفجير الأول في دمشق كنت قد كتبت أن نهج نظام بشار في المرحلة القادمة سيعتمد على خطيين متوازيين، الأول: تكثيف العنف القاتل مع الاحتجاجات الثورية، وهذا ما لمسناه بعد أن قتل النظام أكثر من خمسمائة مواطن سوري في غضون عشرة أيام.
أما الثاني: سيكون إعداد وتنفيذ سلسلة من التفجيرات تضرب دمشق “العاصمة السياسية”، وحلب “العاصمة الاقتصادية”، وذلك بهدف منع انفجار الثورة في معاقل حكم نظام آل الأسد السياسية والأمنية والاقتصادية.
ولكن ذلك لا يعني بالطبع عدم صواب من ربط التفجير الأول بوصول الفريق أول أحمد محمد الدابي ومجموعات المراقبة العربية إلى العاصمة السورية، ولا يخطئ من يربط التفجير الثاني اليوم، بما يسمى التقرير الأول للفريق “الدابي”، والذي من المقرر تقديمه إلى الجامعة العربية غداً، وذلك قبيل اجتماع اللجنة الوزارية العربية الخاصة لمتابعة “الأزمة السورية”، بعد انقطاع طويل لاجتماعات اللجنة، الأمر الذي أثار جدلا واسعا بين السوريين حول مدى جدوى و جدية الحل العربي، وأجبرهم على تفضيل التدخل الدولي.
فالنظام الدموي معني قطعا بخلق أدوات دعاية داخلية لبث الإرهاب في نفوس الأغلبية السورية الصامتة، بل هو بحاجة ماسة إلى ذلك، كما هو بحاجة كذلك إلى مادة للمحاججة العربية والدولية، في ظل تصاعد المطالبات الشعبية بالتدخل الدولي لوقف حمامات الدماء التي باتت تشكل حرجا كبيرا للشرق والغرب، وجرحا عميقا في الضمير الإنساني.
كل ذلك صحيح، إلا أنه في الواقع أهداف فرعية للنظام السوري، إذ إن السبب الرئيسي وراء إقدام النظام على تفجير العاصمة دمشق، وللمرة الثانية في أقل من أسبوعين يكمن في إدراك النظام وأجهزته الأمنية، أن دمشق وحلب بدأتا تفلتان من سيطرتهم الأمنية، خاصة في ظل تطورات الوقائع اليومية، وتصميم ثوار دمشق وحلب على رفع علم الاستقلال في ساحات العاصمتين، كما هو مرفوع في كل أنحاء سوريا.
ومن أجل ذلك، لمسنا جميعا، ولمس النظام بالطبع، تصاعدا كبيرا في حجم وقوة نشاطات الحراك الثوري، الهادف إلى تثوير دمشق وحلب لوضعها على نفس النسق مع الثورة السورية، في حمص وحماه ودرعا وإدلب ودير الزور وريفي دمشق وحلب.
ولمس الجميع أيضاً أن المزيد والمزيد من الأغلبية الصامتة بدأت تظهر تململا علنيا، ورقعة الاحتجاجات الثورية بدأت تتسع وتنتشر كبقع الزيت من ريف دمشق إلى قلب دمشق، ومن ريف حلب إلى قلب حلب، انتشارا بات يشكل التهديد الرئيسي لبشار الأسد ونظامه، في ظل افتقاده للقدرة السياسية، والقدرة الأمنية على التعامل مع هذه المستجدات الحاسمة في مسار المواجهة، وذلك هو الهاجس الذي يقض مضاجع بشار وأجهزته ونظامه، وتطيح بكل حججهم وبكل محاولات إنتاج الكذب.
ويترافق مع ذلك ازدياد كبير للأزمة المالية والاقتصادية للنظام، وانهيار في قيمة الليرة السورية مترافقا مع ارتفاع واضح في أسعار السلع الأساسية، ونقص في الكثير من السلع. وحدها الآلة الأمنية والعسكرية لم تواجه بعد نقصا في السلاح والإمدادات والمال، كما أكد ذلك المفتش الأول في وزارة الدفاع السورية بعد انشقاقه.
وحسب المعلومات الواردة من دمشق فإن “الميدان” كان هدف أبناء دمشق في جمعتهم هذه “جمعة التدويل”، وتحرك دمشق اليوم أعد له الثوار جيدا، إذ كان مخططا أن يصدموا النظام على مرحلتين، الأولى: التوجه إلى الميدان بكثافة كبيرة تربك القدرات الأمنية للنظام. والثانية: التمسك بالميدان، وخلق نقطة ارتكاز قوية داخل العاصمة، بما يؤدي إليه ذلك من انكشاف سياسي خطير للنظام أمام أعين الدمشقيين، وتحت سمع وبصر سفارات العالم.
ومقابل ذلك، وجد النظام نفسه أمام خيارات محدودة، قبول الهزيمة، والتسليم للأمر الواقع، أو اللجوء إلى البطش القاتل وارتكاب مجزرة كبرى في قلب العاصمة. أو الخيار الثالث: تفجير جديد في قلب العاصمة، يعطل الحراك الثوري الدمشقي عن الوصول إلى هدفه، وذلك ما حصل فعلا.
وهو تكرار دموي ممل للتفجير الأول، لن ينطلي حتى على أطفال دمشق، بل سيكون له ارتدادات خطيرة على النظام نفسه، لكونها جريمة جديدة وبشعة، ينبغي على المجلس الوطني السوري وكل اطياف المعارضة والمؤسسات الحقوقية إضافتها إلى سجل جرائم النظام، وحصر الضحايا والوقائع، وتسليمها إلى المؤسسات العربية والدولية.
وربما بدأت الثورة السورية تدخل المرحلة الحاسمة من مسارها، وهي المرحلة الأخطر، مرحلة قطف ثمار الثورة، المروية بدماء و آلام عشرات الآلاف من الشهداء والمفقودين و الجرحى، وعشرات الآلاف من الأسرى والمطاردين والمهجرين قسرا، وهي مرحلة تتطلب العض على الجراح، وعدم التردد في اقتحام بوابات العاصمتين، دمشق وحلب، لكنها أيضاً مرحلة خطيرة للنظام الذي سيؤجج كل مظاهر عنفه وبطشه، قبل أن ينهار، وحتى إن كانت هذه النظرة مفرطة في التفاؤل، فإن الثورة السورية في الطريق إلى هناك.
ربما يتطلب الوضع الجديد حنكة وحكمة سياسية من قادة المعارضة جميعا، وإلى أهمية التوحد داخل المجلس الوطني السوري، والخضوع الكامل لأهداف الثورة، وخاصة الهدف الرئيسي، إسقاط هذا النظام مرة واحدة وإلى الأبد، دون أية مساومات أو مهل أو حجج، والضغط من أجل تدخل عربي ودولي فاعل بكل ما تعنيه الكلمة، باستثناء التدخل العسكري البري، الذي يجب أن يترك أمره للتدخل العربي، وللثورة السورية بجيشها السوري الحر، فهذه أيام صعبة، تتطلب حسم التردد، ووضع الأفكار الشخصية جانبا من أجل كلمتي الثورة السورية التاريخيتين “الحرية والكرامة”.
محمد رشيد
أما الثاني: سيكون إعداد وتنفيذ سلسلة من التفجيرات تضرب دمشق “العاصمة السياسية”، وحلب “العاصمة الاقتصادية”، وذلك بهدف منع انفجار الثورة في معاقل حكم نظام آل الأسد السياسية والأمنية والاقتصادية.
ولكن ذلك لا يعني بالطبع عدم صواب من ربط التفجير الأول بوصول الفريق أول أحمد محمد الدابي ومجموعات المراقبة العربية إلى العاصمة السورية، ولا يخطئ من يربط التفجير الثاني اليوم، بما يسمى التقرير الأول للفريق “الدابي”، والذي من المقرر تقديمه إلى الجامعة العربية غداً، وذلك قبيل اجتماع اللجنة الوزارية العربية الخاصة لمتابعة “الأزمة السورية”، بعد انقطاع طويل لاجتماعات اللجنة، الأمر الذي أثار جدلا واسعا بين السوريين حول مدى جدوى و جدية الحل العربي، وأجبرهم على تفضيل التدخل الدولي.
فالنظام الدموي معني قطعا بخلق أدوات دعاية داخلية لبث الإرهاب في نفوس الأغلبية السورية الصامتة، بل هو بحاجة ماسة إلى ذلك، كما هو بحاجة كذلك إلى مادة للمحاججة العربية والدولية، في ظل تصاعد المطالبات الشعبية بالتدخل الدولي لوقف حمامات الدماء التي باتت تشكل حرجا كبيرا للشرق والغرب، وجرحا عميقا في الضمير الإنساني.
كل ذلك صحيح، إلا أنه في الواقع أهداف فرعية للنظام السوري، إذ إن السبب الرئيسي وراء إقدام النظام على تفجير العاصمة دمشق، وللمرة الثانية في أقل من أسبوعين يكمن في إدراك النظام وأجهزته الأمنية، أن دمشق وحلب بدأتا تفلتان من سيطرتهم الأمنية، خاصة في ظل تطورات الوقائع اليومية، وتصميم ثوار دمشق وحلب على رفع علم الاستقلال في ساحات العاصمتين، كما هو مرفوع في كل أنحاء سوريا.
ومن أجل ذلك، لمسنا جميعا، ولمس النظام بالطبع، تصاعدا كبيرا في حجم وقوة نشاطات الحراك الثوري، الهادف إلى تثوير دمشق وحلب لوضعها على نفس النسق مع الثورة السورية، في حمص وحماه ودرعا وإدلب ودير الزور وريفي دمشق وحلب.
ولمس الجميع أيضاً أن المزيد والمزيد من الأغلبية الصامتة بدأت تظهر تململا علنيا، ورقعة الاحتجاجات الثورية بدأت تتسع وتنتشر كبقع الزيت من ريف دمشق إلى قلب دمشق، ومن ريف حلب إلى قلب حلب، انتشارا بات يشكل التهديد الرئيسي لبشار الأسد ونظامه، في ظل افتقاده للقدرة السياسية، والقدرة الأمنية على التعامل مع هذه المستجدات الحاسمة في مسار المواجهة، وذلك هو الهاجس الذي يقض مضاجع بشار وأجهزته ونظامه، وتطيح بكل حججهم وبكل محاولات إنتاج الكذب.
ويترافق مع ذلك ازدياد كبير للأزمة المالية والاقتصادية للنظام، وانهيار في قيمة الليرة السورية مترافقا مع ارتفاع واضح في أسعار السلع الأساسية، ونقص في الكثير من السلع. وحدها الآلة الأمنية والعسكرية لم تواجه بعد نقصا في السلاح والإمدادات والمال، كما أكد ذلك المفتش الأول في وزارة الدفاع السورية بعد انشقاقه.
وحسب المعلومات الواردة من دمشق فإن “الميدان” كان هدف أبناء دمشق في جمعتهم هذه “جمعة التدويل”، وتحرك دمشق اليوم أعد له الثوار جيدا، إذ كان مخططا أن يصدموا النظام على مرحلتين، الأولى: التوجه إلى الميدان بكثافة كبيرة تربك القدرات الأمنية للنظام. والثانية: التمسك بالميدان، وخلق نقطة ارتكاز قوية داخل العاصمة، بما يؤدي إليه ذلك من انكشاف سياسي خطير للنظام أمام أعين الدمشقيين، وتحت سمع وبصر سفارات العالم.
ومقابل ذلك، وجد النظام نفسه أمام خيارات محدودة، قبول الهزيمة، والتسليم للأمر الواقع، أو اللجوء إلى البطش القاتل وارتكاب مجزرة كبرى في قلب العاصمة. أو الخيار الثالث: تفجير جديد في قلب العاصمة، يعطل الحراك الثوري الدمشقي عن الوصول إلى هدفه، وذلك ما حصل فعلا.
وهو تكرار دموي ممل للتفجير الأول، لن ينطلي حتى على أطفال دمشق، بل سيكون له ارتدادات خطيرة على النظام نفسه، لكونها جريمة جديدة وبشعة، ينبغي على المجلس الوطني السوري وكل اطياف المعارضة والمؤسسات الحقوقية إضافتها إلى سجل جرائم النظام، وحصر الضحايا والوقائع، وتسليمها إلى المؤسسات العربية والدولية.
وربما بدأت الثورة السورية تدخل المرحلة الحاسمة من مسارها، وهي المرحلة الأخطر، مرحلة قطف ثمار الثورة، المروية بدماء و آلام عشرات الآلاف من الشهداء والمفقودين و الجرحى، وعشرات الآلاف من الأسرى والمطاردين والمهجرين قسرا، وهي مرحلة تتطلب العض على الجراح، وعدم التردد في اقتحام بوابات العاصمتين، دمشق وحلب، لكنها أيضاً مرحلة خطيرة للنظام الذي سيؤجج كل مظاهر عنفه وبطشه، قبل أن ينهار، وحتى إن كانت هذه النظرة مفرطة في التفاؤل، فإن الثورة السورية في الطريق إلى هناك.
ربما يتطلب الوضع الجديد حنكة وحكمة سياسية من قادة المعارضة جميعا، وإلى أهمية التوحد داخل المجلس الوطني السوري، والخضوع الكامل لأهداف الثورة، وخاصة الهدف الرئيسي، إسقاط هذا النظام مرة واحدة وإلى الأبد، دون أية مساومات أو مهل أو حجج، والضغط من أجل تدخل عربي ودولي فاعل بكل ما تعنيه الكلمة، باستثناء التدخل العسكري البري، الذي يجب أن يترك أمره للتدخل العربي، وللثورة السورية بجيشها السوري الحر، فهذه أيام صعبة، تتطلب حسم التردد، ووضع الأفكار الشخصية جانبا من أجل كلمتي الثورة السورية التاريخيتين “الحرية والكرامة”.
محمد رشيد