الجمعة، 27 يناير 2012

لم يبق للمصالحة إلا نزع علة الحكم والتسلط



kolonagaza7




سامي محمد الأسطل
باحث أكاديمي
قبل فترة وجيزة من تسونامي اليابان الأخير 2011م أعلن رئيس الوزراء الياباني يوكيو هاتوياما أنه سيستقيل من منصبه لفشله في الوفاء بتعهد قطعه للناخبين خلال حملته الانتخابية بنقل قاعدة أميركية من جزيرة أوكيناوا جنوبي اليابان، كما طالب كذلك باستقالة الرجل الثاني في حزبه الحاكم, وجاء قرار هاتوياما الاستقالة بعد أقل من تسعة أشهر على توليه السلطة.
إن هاتوياما مسئول حقيقي بمعنى الكلمة, تحرر هو ومن على شاكلته من دعوى التأله على الناس وبيع الأماني وحزم النصر الموهوم والانغماس في مستنقعات الحكم والسلطة, لعل هذه القصة يقرأها أحد المسئولين ويبدأ مشروع احترام الشعب الفلسطيني الذي ضحى على كل المستويات وآن الأوان ليقف على طريق حق تقرير المصير.
ظن الكثير أن الضغوط الخارجية على المصالحة هي أس البلاء والممثلة في معارضة إسرائيل وأمريكا والغرب والرباعية وبعد جهود مطولة تم تسوية هذه الضغوط الخارجية من خلال الاستجابة لمعظم مطالبهم تحت عنوان المقاومة السلمية التي حظيت بالموافقة الجماعية لمعظم الفصائل وكأنها الضالة وطوق النجاة والقاسم المشترك رغم أن بعض معانيها كانت من المحرمات الوطنية وفجأة تعثرت المصالحة ودخلت في غيبوبة من جديد.
تخللت فترة الانقسام عقبات داخلية كانت تسوّق على أنها نهاية المطاف وقد ضخمت بطريقة لا يمكن تجاوزها, إلا أنها تبددت بصيغة أو أخرى لإنهاء الخلافات وتم ذلك بالفعل, فمثلا كانت المعضلة الكأداء منظمة التحرير ومؤسساتها وتم حلها, ثم الانتخابات ونظامها وتم الاتفاق عليها, ثم الأمن وتم وضع آلية من أجل إنهاء الإشكالية, ثم البرنامج السياسي وتم احتراف التعامل معه لكن ما المعضلة الحقيقية التي تعترض قطار المصالحة؟
ست سنوات طويلة ومريرة من الانقسام مست حياة الشعب الفلسطيني في كل شيء ليدخل الجميع في نزيف من التصنيف في الرجال والنساء والأرزاق والحرية والكرامة ... الخ ما أنزل الله بها من سلطان الجميع يصنف الجميع, الأحزاب والفصائل والحركات هي التي تقرر وهي التي ترى وهي التي تشعل الحروب والدروب وهي التي ترسم وتعلن معالم النصر سلما أو حربا وفق معايير حزبية خالصة وهي التي تبادر بالهدن وهي التي تلهب المهج وهي التي تعلي وتخفض وهي التي تحب وتكره.... الخ.
ليست معضلة المصالحة الحرجة المترنحة في الصياغات القانونية, أو الإجرائية أو المبادئ المشتركة والسياسات التي تمثل القاسم المشترك فقد مررنا باتفاقات كثيرة متتالية مثل: ميثاق الشرف 18/1/2005م وبعد شهرين وتحديدا يوم 17/3/ 2005م ابرم ميثاق مؤتمر الحوار الوطني الفلسطيني في القاهرة، ثم ميثاق الشرف الخاص بالانتخابات 17/10/ 2005م ، ولم تمض فترة طويلة حتى خرجت وثيقة الأسرى الحوار الوطني 2006م، وعلى المستوى العربي رعت المملكة العربية السعودية اتفاق مكة 2007م، وقد توج ببرنامج الحكومة الوطنية الفلسطينية 17/3/ 2007م، و بالضبط بعد أقل من أربعة أشهر وقع الانقسام، وسرعان ما تحركت اليمن لتعلن المبادرة اليمنية للحوار 2008م ثم لقاء دكار، ثم خرجت بعض المبادرات هنا وهناك دون جدوى حتى هبوب رياح التغيير العربية التي عززت التوجه نحو المقاربة والمصالحة, ثم جدد الأمل من جديد في لقاءات القاهرة في شهر مايو أيار ثم نوفمبر وديسمبر من العام 2011م وكان من المفترض أن تشكل حكومة في شهر ديسمبر 2011م تم يناير 2012م.
في هذه المرحلة ظهر جليا واضحا للعيان أن العائق الوحيد المتبقي في وجه المصالحة هو علة الحكم والتسلط لدى بعض صناع القرار لدينا الذين لم يتحرروا منها بعد, أو ربطوا مصيرهم الاقتصادي وفق المصالح الفردية ببقاء الانقسام, أو لم يفكروا في العودة إلى الحياة العادية وتعودوا على شبق السلطة واستعباد الناس.
إننا الآن بحاجة للثقافة التي تحد من شبق السلطة الذي ذاقه الكثير واستحسنوه, بحاجة لدبلوماسية حقيقية متحررة تلم الشمل مثل التي سار عليها معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقد نقل العالم الإسلامي من الفتنة والحرب الأهلية والانقسام إلى الدولة المؤسسة بعد عام الجماعة التي انطلقت تجوب الأرض لنشر السلام في العالم فامتدت حتى الهند والصين شرقا وإلى أوربا غربا في الأندلس من أجل منح البشرية الحرية الكاملة الدينية والفكرية والثقافية وفق منهج "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
في الختام من الملاحظ أن أحزابنا وحركاتنا تمنى بالفشل الذريع في المشاريع الاقتصادية عبر السنين في الداخل والخارج على حد سواء والسبب هو ذات السبب في العثرة السياسية إنه العامل البشري الذي نشأ على التسلط وسوء استغلال المنصب دون حسيب ولا رقيب أو نظام شفاف كاشف لهؤلاء العابثين, كلنا أمل أن نتسلح بالوحدة وإطلاق الحريات ومحاسبة الفاسدين في كل الاتجاهات وتحية للذين يحاكمون قادتهم علانية وأمام الفضائيات.

مشاركة مميزة