الخميس، 2 فبراير 2012

حقوق مكتوبة و حقوق مهدورة !



kolonagaza7

جاسم الحلفي
تصل نسبة المواد المتعلقة بالحقوق والحريات في الدستور العراقي الى حوالي 25 في المائة من مواده الأساسية. فالدستور يؤمّن الحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لكل العراقيين، ويقر حقوق المواطنين في التعليم والعمل و" الضمان الاجتماعي والصحي والمقومات الأساسية للعيش في حياة حرة كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب والسكن الملائم"، مثلما جاء في المادة 30 منه. ويشعر المرء بالسعادة وهو يطالع هذه المواد الدستورية وغيرها، والتي وضعت المواطن في دائرة الاهتمام الدائم للدولة، وجعلت موضوعة الخدمات وتأمينها وتحسين طرق تقديمها للمواطن، ضمن أول واجبات الحكومة. حيث يتبين له من خلالها ان الشغل الشاغل للقائمين على السلطة التنفيذية يجب ان يتمثل في السهر على راحة المواطن وتأمين حياة هانئة له.
فمن الطبيعي بعد هذا ان ينتابه الإحساس بالفخر لانتمائه الى بلد غنيٍّ بقيم العدالة والمساواة وضمان الحقوق، وان يشعر بنسمات الربيع العراقي الدائم، الذي لا يضاهيه أي ربيع آخر، عربي او غير عربي. لكنه حين يقارن كل تلك المواد مع الواقع المعاش، يجد الفرق هائلا. وسرعان ما يتجرع طعم الخيبة والمرارة والخذلان، حيث الفقر مدقع لجهة تأمين الحقوق الدستورية. ولا يبدو ان ثمة في الأفق القريب مخرجا من هذا الفقر الكافر. فلا يزال صراع أطراف الحكومة يدور بعيدا عن صفحات حرية المواطن وحقوقه مثلما جاءت في الدستور. فلا اتفاقية اربيل توقفت عند حاجات المواطن وسبل تأمينها، ولا الأزمة الأخيرة التي هي احد تجليات أزمة النظام المستفحلة، كان من بين أسبابها اختلاف على تأمين البطاقة التموينية، او إقرار قانون الضمان الاجتماعي، او بناء مستشفيات او توفير فرص عمل للعاطلين.
وهكذا هي دورة الأزمة، ينسحب النواب من جلسات مجلس النواب، ثم يعودون، ويعلق الوزراء حضورهم في مجلس الوزراء، ويشتد الجدل والاختلاف حول حل الأزمة، وما من حل يطرحونه وهو بعيد عن أس الأزمة المتمثل في المحاصصة الطائفية، وفي إعادة توزيع المناصب والمغانم والامتيازات في ما بينهم. اما المواطن وهمومه .. فخارج الاهتمام!
المواطن يستطيع ان يغير هذا الواقع الذي يراد تأبيده، وذلك عبر دوره في إحداث التغيير، وبالطرق السلمية، وهي متاحة ولا تحتاج غير المبادرة والإقدام والمواصلة، حتى تحقيق الأهداف المنشودة في حياة حرة كريمة. لا اقصد هنا بدور المواطن في إحداث التغيير، خوض التظاهرات فحسب. نعم انها احدى الوسائل الناجعة في التأثير، ولها فعل كبير في نيل الحقوق، ولكن هناك الى جانبها وسائل سلمية مشروعة كثيرة، مثل رفع دعاوى قضائية ضد الوزارة او المؤسسة، التي لا تنهض بالمهمات المناطة بها لتأمين احتياجات المواطن.
فالطفل الذي يتسرب من المدرسة ويذهب الى سوق العمل بسبب شظف العيش، تستطيع اي منظمة مجتمع مدني تعنى بالأطفال رفع دعوى قضائية ضد الحكومة، التي يفرض عليها الدستور تأمين معيشته. وهكذا بالنسبة للعجوز المعدم الذي يتسول، والعائلة التي لا سكن لها، والمريض الذي لا يجد العلاج. فمن حق الجميع ان يلجاأوا للقضاء، وهو السلطة الثالثة التي من واجبها إحقاق الحق، وإنصاف المظلوم، فيما يتوجب على الحكومة حماية الأمن وتوفير الخدمات.

مشاركة مميزة