الخميس، 18 يوليو 2013

مقالين: 1 - استعادة للثورة .. وليس انقلابا 2 – اليسار وحركة التحرر الوطني

kolonagaza7
رشاد ابو شاور 
من عاش مثلي في سوريا عقودا، وعاصر عهودا مختلفة، يعرف ما هو الانقلاب العسكري، فقد كنّا نستيقظ على لعلعة صوت المذيع بالبيان رقم 1 اتكالاً على الله، ومن أجل الشعب والوطن، قامت قواتكم الباسلة بـ…ثم تتوالى البيانات، والمارشات العسكرية، مع توالي تأييد الفرق والوحدات العسكرية، وكلها تبدأ بـ: حقنا للدماء..الخ.
أمّا الشعب فيؤيد ببرقيات تهنئة تبارك وتشكر الثورة المباركة، وتلهج بحمد الانقلابيين الذين لا يعرفهم أحد، والذين لم ير منهم الشعب ،بعد، شيئا يحمدون ويشكرون عليه، في حين تبدأ النكت على الانقلاب والانقلابيين، لا سيما على صفحات جريدة (المضحك المبكي) الأسبوعية، وكانت من حجم التابلويد.
بدأ هذا من أيام حسني الزعيم، وتواصل مع الشيشكلي، وانقلاب الانفصاليين على الوحدة، وفصلها، وقد حمل من فعلوا هذا الفعل المنكر (الخياني) وصف (الانفصاليين) وهم أبناء الإقطاع التقليدي، وكانوا ضباطا كبارا في كل مفاصل الجيش، وبدعم سعودي، وأمريكي، وبمشاركة أنظمة حكم عربية عادت الوحدة، وجمال عبد الناصر.
الانتفاضات تختلف كلية عن الانقلابات، لأن الانتفاضة فعل شعبي عارم تشارك فيه كل فئات الشعب، وتهدف إلى التغيير الجذري، وليس القيام بمجرد احتجاجات على غلاء الأسعار، أو على بعض ممارسات الحكم المستبد.
الانتفاضة وهي فعل شعبي، تحقق الانتصار الحاسم على نظام دكتاتوري عندما ينحاز لها الجيش الذي يسحب (القوة) المنظمة المسلحة القادرة على الضرب بعنف، من بين يدي نظام الاستبداد، وينحاز للشعب، ويكون له بهذا دور حاسم في الانتصار.
هذا حدث في زمننا في إيران عام 79، عندما ثار الشعب على نظام الشاه الطاغية المستبد، ولم تصمد أمامه أجهزة القمع، وانحاز الجيش للشعب، وبهذا تحقق انتصار الشعب الإيراني بدون سفك دماء.
حدث هذا أيضا في تونس عندما انفجرت ثورة الشعب إثر انتحار محمد البوعزيزي احتجاجا، وضيقا، ورفضا لحياة بلغ فيها الإذلال حدا لا يطاق، وكان هذا حال الشعب التونسي الذي قهره الدكتاتور، وامتص مع عصابته عافيته، وخيراته، وحرمه الحرية، والخبز، والكرامة..وكان الانتصار مؤزرا بانحياز الجيش للشعب، حين رفض أن يشهر سلاحه ويمارس القمع على الجموع الثائرة التي ملأت الميادين، واجتاحت قلب العاصمة في شارع (بورقيبة)، وهو ما أدى لهرب الدكتاتور إلى السعودية. إلى أين يمكن أن يهرب أي طاغية عربي سوى إلىالسعودية
أغدقت جهات مجهولة على ثورات الشعوب العربية اسما تدليعيا (ثورات الربيع العربي)، وقفز على ظهرها من عملوا على إفراغها من مضامينها الاجتماعية، والوطنية، وكأنما كان الهدف مجرد إسقاط رمز نظام الحكم، وليس التغيير الشامل والجذري، والشروع في تحقيق مطالب الشعب الثائر، وأهدافه، ولا سيما في مصر: عيش، حريّة، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية..
بعد أن أعلن الإخوان تعففهم عن منصب الرئاسة، والهيمنة على مجلس الشعب، وفي حميا انشغال شعب مصر في التخلص التام من (كل) نظام مبارك، وليس من مبارك الفرد، انفتحت شهية الإخوان على التهام مجلسي الشعب، والشورى، والرئاسة، رغم أن كل هذا حدث بدون الاتفاق على (دستور) يضمن المواطنة، والمشاركة، للشعب المصري، بكافة فئاته، ويحدد طريق المستقبل، وإنجاز أهداف الثورة التي التحق بها الإخوان بعد تردد، وحين رأوا بأن ما يحدث ثورة، وليست أحداث عنف عابرة، تستدعي منهم التريث طويلاً، والتربص، حتى لا تلحق بهم خسائر غير محسوبة.
اغتّر الإخوان بسهولة هيمنتهم على الرئاسة، والمجلسين، وانفتحت شهيتهم على ترتيب كل ما يضمن دوام الحكم لهم منفردين، وكأنما (صناديق) الاقتراع ستستعمل لمرة واحدة، ومن بعد يتكرّس حكم الإخوان ودولتهم الإسلامية، فالديمقراطية بالنسبة لهم كفر، وشرك، وكل من يعترض سيرمى بالكفر، والزندقة، والمروق، و..سيتهم بأنه مؤمن بالديمقراطية، كافر بالشريعة (أحد شعرات الحشد ألإخواني في رابعة العدوية، قبل وبعد عزل الرئيس مرسي.
إضافة لهيمنة الإخوان على أهم مؤسسات الدولة، راهن الإخوان على (انتصار) المشروع الإسلامي في سورية تحديدا، ولذا لم يكن صدفة أن يعلن الرئيس مرسي قطع العلاقات الدبلوماسية مع (النزام) السوري!..بالترافق مع دعوات بعض رجال الدين، قبل ذلك بيومين، ومن القاهرة،  (للجهاد) في سورية!
(الدولة الإسلامية) باتت دانية، فلماذا مشاركة (الآخرين) في الحكم، وما ضرورة الوحدة الوطنية، خاصة وأي اتفاق وطني سيعني تأخير (أسلمة) الدولة في مصر..ولهذا اكتفى الرئيس مرسي بالإعلان الدستوري الذي يكرسه (فرعونا) جديدا!
انشغل الإخوان في ترتيب مفاصل الدولة، ومؤسساتها، وبالسيطرة على المحافظات بتعيين محافظين محازبين لهم، أو مناصرين، ففاقموا النفور منهم، والشكوك في نواياهم غير الخافية.
ظنّ الإخوان أن الشعب استكان، وان ثورة 25 يناير بلغت منتهاها بتسيدهم، وأن كل القوى غير منظمة، ولن تقدر سوى على توجيه انتقادات غير مؤثرة، وإثارة زوابع من الكلام، فلا إمكانية للحشد، والنزول إلى الميادين من جديد.
وكما قال الأستاذ هيكل في الحوار مع لميس الحديدي على شاشة cbc  فقد اقترف الرئيس مرسي ثلاثة أخطاء، كل واحد منها كفيل بإسقاطه!.
هل كانت حركة (تمرد) ستجد كل هذا التأثير بين شعب مصر، لو أن هذا الشعب، في سنة حكم الرئيس مرسي، حظي بالأمن، وخفّت عليه المتاعب الاقتصادية، وتوضحت أمامه طريق المستقبل؟
هل كان شباب مصر سينزلون إلى الشوارع لجمع تواقيع تطالب بإسقاط الرئيس، وسحب الشرعية منه، لتبلغ هذه التواقيع 22 مليونا وشوية ألوف؟!
لقد استخف الرئيس، ومستشاروه، والإخوان، بإعلان يوم 30 حزيران يوما للنزول للميادين، وحين فوجئوا وبوغتوا بما تراه عيونهم لم يصدقوا، ثم حاولوا التقليل من أعداد الملايين، وتمخض حشدهم المواجه عن ميدان واحد هو ميدان رابعة العدوية، في وجه طوفان شعبي أعاد انبهار العالم بشعب مصر العظيم، الذي تجاوز بسيوله البشرية حشود 25 يناير 2011.
لم يبادر الإخوان لمد اليد للقوى الوطنية المصرية، وللشباب، للبحث عن (مخرج) من المأزق، والعودة لروح يناير، ولأخوة الميادين التي مكنت شعب مصر من خلع مبارك.
منح الجيش فرصة للرئيس للبحث عن مخرج في غضون أسبوع..ومضى الأسبوع، وحشود الشعب المصري تملأ الميادين وتفيض، بحيث وصفتها الصحافة العالمية الغربية بأنها غير مسبوقة، وأنها اكبر حشود في تاريخ العالم!
ولكن الإخوان لم يروا هذه الحشود، حتى إن الدكتور عصام العريان وصفها بأنها ألاعيب فوتو شوب من المخرج خالد يوسف!
منح الجيش 48 ساعة إضافية للرئيس، وللقيادات الوطنية للوصول إلى حل..ولم يحدث شيء، في حين كانت الميادين تغلي، وإمكانية الانفجار الدموي تتسارع، فكان أن تدخل الجيش، ولحق بالشعب المحتشد بملايين قدّرت بأكثر من عشرين مليونا. (هناك تقديرات بأنها بلغت 33 مليونا).
عزل الجيش الرئيس مرسي، وتم تعيين رئيس المحكمة الدستورية رئيسا مؤقتا، وكان الجيش بهذا يلبي إرادة شعب ثار لتصحيح مسار ثورته التي سرقت منه.
أمّا الضمانة بأن لا ينقلب الجيش فستبقى دائما هي روح الثورة التي تجلت في 25 يناير، و30 حزيران، ويقظة شعب مصر، وأيضا إيمان جيش مصر بأن دوره هو حماية حدود مصر، وأمن شعبها، وحمايتها من تفجّر حرب أهلية ..وهذا ما حصل.
Yasser Hatabah [mailto:yhatabah@gmail.com]
2- اليسار وحركة التحرر الوطني
المبادرة الوطنية الأردنية


يقول القس البرازيلي "هيدلر كاماراج" : عندما أوزع الطعام على الفقراء، يقولون أنني قديس، وعندما أسأل لماذا يفتقرون إلى الطعام يقولون أنني شيوعي.
وعندما ينتقد يساريون اليسار، يقال ما العمل؟ وحين يطرح للنقاش نهجٌ بديلٌ، قد يقود لإنتاج حلول واقعية للمشاكل الحقيقية التي يعيشها المجتمع، نهجٌ بديلٌ لما هو سائد بين صفوفهم و الذي أوصلهم والمجتمع لهذه الأزمة المعقدة والمركبة والممتدة المعاشة، يوصف من قبل هؤلاء اليساريين ذاتهم، بالتعالي أو التطرف أو العدمي ، أو المنفصل عن الواقع او ممارسة الاستذ ة من أبراج عاجية، لماذا يرد هذا اليسار بتشنج ورفض واتهام؟ وهل لهذا الرّد الإنفعالي من تفسير؟ الجواب نعم.
لأسباب متعددة ومختلفة، منها:
1. ضعف الوعي التاريخي - لدى الكثير من النخب / اليسار– لسيرورة العملية الثورية الممتدة، منذ بدء النضال من أجل التحرر الوطني، بداية القرن التاسع عشر وإلى هذا اليوم، وافتقار هذه النخب إلى الوعي بأهمية رؤية النضال من جانبه التراكمي، والخوف من مغادرة ألنمط الكلاسيكي "للنضال" السائد بين صفوفهم، وعدم القدرة على ابتكار أشكال وأساليب للنضال تتواءم مع طبيعة المتغيرات شديدة التداخل والتعقيد، على صعيد المنطقة وعلى الصعيد العالمي، وفي ظل غياب مشروع واضح للتحرر الوطني الحقيقي، وضبابية المهمات، بالنسبة لهم، وضعف نظري وعملي في ترتيب الأولويات، ساهم ولا يزال يساهم في تعميق أزمة اليسار. 
2. إصرار اليسار العربي على الاستمرار في تبني نهج الإصلاح، نهج أفاقه باتت مسدودة تماماً، إن لم نقل، ثبت فشله بشكل ذريع، هذا النهج القائم على "النضال" من أجل تحقيق نموذج " الديمقراطية البرلمانية، والتبادل السلمي للسلطة" عبر الاحتكام لصناديق الاقتراع، في مجتمع لم تتوفر له شروط ممارسة هذا الشكل من الديمقراطية، والذي يكمن شرطه في تطور طبيعي للمجتمع باتجاه الرأسمالية - النموذج الأوروبي - وشرط تطور نمط الإنتاج في المجتمع، الذي تم حجزه في الدول والمجتمعات المستعمرة وشبه المستعمرة قديماً، وحديثاً في الدول والمجتمعات التابعة، لصالح أنماط استهلاك حديثة، بقرار من المركز الرأسمالي، انسجاماً مع مصلحته - المركز الرأسمالي - بإبقاء دول المحيط دولاً تابعة له، من أجل استحلاب مقدراتها وثرواتها الطبيعية بأبخس الأثمان، مقارنة بأسعار سلع يتم تصنيعها من هذه المواد الخام من قبله، وبيعها لهذه المجتمعات التابعة المستهلكة، بأسعار تحقق أرباحاً فاحشة لصالح الشركات وعلى حساب المجتمعات التابعة، وبسبب كون نمط الإنتاج هو الذي ينتج التمايز بين صفوف المجتمع، بناء على الموقع من عملية الإنتاج، وهو الذي ينتج برجوازية وطنية، صاحبة مشروع الديمقراطية البرلمانية، وصاحبة مشروع تحول المجتمع والدولة من نمط الاستهلاك فقط، إلى نمط الإنتاج والاستهلاك معاً، فهذه البرجوازية الوطنية لم تتشكل سابقاً، ولن يسمح لها بالتشكل في المستقبل، بسبب قانون التبعية، ولهذا تحديداً فإن الجري خلف وهم الديمقراطية البرلمانية ، لا يمكن أن ينتج إلاّ اليأس والإحباط، والدليل على ذلك يمكن تلمسه بأسطع صوره في الواقع الأردني، ما تعيشه النخب الأردنية من تخبط الموقف إزاء كل عملية انتخابية برلمانية، من مقاطعة الانتخابات ومشاركة بها بشكل دوري، وتحت الظروف والشروط ذاتها، ولم تستنتج من هذه الدوامة في النهاية سوى التشكيك في نزاهة الانتخابات، وعدم ملاءمة قانون الانتخابات ...الخ من هذه التبريرات، التي لا تنتج شيئاً ، كونها تناقش الظواهر ولا تناقش العلة والسبب.
3. ولسبب آخر، وهو وهم طوبوي يعشعش في عقول اليسار الأردني / العربي حول إمكانية إحداث التنمية الوطنية، من خلال إصلاحات البنى الفوقية – التشريعات والقوانين والأنظمة - في ظل التبعية، وما زال اليسار يصر على تبني نموذج لبرالي لتحقيق أهداف ثورية، أين ذلك من الادعاء ، نظرياً على الأقل، شرطية تبني مقولات " لا ثورة بدون نظرية ثورية، وبدون وجود حزب ثوري" . وما زال هذا اليسار يصر على تطبيق هذا النموذج الفاشل، بل والذي ثبت فشله حتى في تلك الدول الرأسمالية القديمة، التي طبقت هذا النموذج منذ زمن طويل، وتعيش اليوم أزمة بنيوية خانقة، قابلة للتطور للإطاحة بهذا النظام – الرأسمالي العالمي - وبهذا النموذج.
ألم يشكل تطور الأحداث على الساحة العربية خلال السنوات الماضية، والتي فسحت المجال لصعود مجموعة التبعية الدينية إلى الحكم، عبر صناديق الاقتراع، وعلى حساب كافة القوى الأخرى مجتمعة، دليلا على عقم هذا النهج ؟ لماذا تخرج جماهير واسعة إلى الشوارع – مصر – للاحتجاج على نتائج صناديق الاقتراع، الذي كان مطلبها ومحور نضالها، قبل يوم ؟؟ ألا يدل ذلك بشكل ملموس على إفلاس شكل النضال من أجل الديمقراطية البرلمانية ؟ ألا تتصرف جماهير الدول الرأسمالية على ذات السوية : صناديق الاقتراع لمعاقبة الحزب الحاكم، للإتيان بالحزب الآخر الذي سبق وعاقبتها ، وأوضاعها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
تخبط اليسار اليوم والبارحة، يرجع بشكل رئيسي إلى غياب إرادة حسم الموقف تجاه نهجين وبين خيارين:
• نهج التغيير الجذري، أي الحسم لصالح خيار التوجه نحو بناء الدولة المنتجة والمجتمع المنتج، 
• أو نهج الإصلاح المتدرج، استمرار التغطية على نهج التبعية ونمط الاستهلاك السائد، الذي قاد الدولة والمجتمع إلى هذه الأزمة الخانقة المعاشة، المعقدة والممتدة، وتبني سياسة إدارة الأزمة بدلاً من العمل على حل الأزمة بشكل جذري ونهائي، أي حسم الخيار لصالح الاستقلال الوطني الناجز، بدلاً من الاستمرار في تسويق و تغطية الاستقلال الشكلي التبعي، 
المطلوب الحسم، خيار انحياز مطلق، في الصراع الاجتماعي القائم على أرض الواقع، لصالح المستغلين (بفتح الغين) ضد مصالح المستغلين (بكسر الغين) ولصالح المظلومين والمنتمين للوطن والكادحين والمنتجين، ضد مصالح الظالمين والفاسدين ولصوص المال العام والانتهازيين، ولصالح الثقافة الوطنية التقدمية، التي تحمل أجمل وأنبل القيم الإنسانية، ضد الثقافة الظلامية القروسطية، التي تحول الإنسان الفرد ، إلى وحش يأكل لحم الإنسان.
المطلوب الحسم، الانحياز لمشروع مجموعة التبعية أو لصالح مشروع الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، الانحياز لمشروع التحرر الوطني والاستقلال الناجز أو الانحياز لصالح التبعية والاستقلال الشكلي. 
الحسم أيها اليسار لكل ما سبق، الآن بسبب المنعطف الخطير الذي تعيشه مجتمعاتنا، وبسبب توفير شروط موضوعية للخروج من الأزمة، وليس غداً، لأن الوقائع على الأرض تفرض شروط الحسم. 
أصحاب نهج الإصلاح المتدرج يعتقدون، بأنهم حين يتبنون نهج إجراء إصلاحات متدرجة على قاعدة تغيير البنى الفوقية للمجتمع - التشريعات والقوانين والأنظمة – ومن خلال الديمقراطية البرلمانية – صندوق الاقتراع – يصلون إلى التغيير المنشود، ألم تثبت التجربة العملية لهذا الشكل من النضال، بأن طريقه مسدود، وفشله ذريع على صعيد المجتمعات العربية – مصر وتونس ...الخ- والمجتمعات الأخرى في المنطقة والعالم.
اليسار هذا، صاحب نهج – تغيير البنى الفوقية - يتبنى، بشكل مباشر أو غير مباشر، مقولة مثالية قائلة بأن " الفكر يسبق المادة" ، مقولة مثالية موصوفة، ومرفوضة من قبل اليسار المتبني للمادية الديالكتيكية والتاريخية تاريخياً، مقابل تبنى مقولة " المادة تسبق الفكر" و التي تعني، إن تغيير البنى التحتية – علاقات الإنتاج – هو الذي يقود إلى تغيير البنى الفوقية، والعكس غير صحيح إطلاقاً، وكل التجارب التي قامت على تبني نهج تغيير "البنى الفوقية" طريقاً لتحقيق التنمية ثبت فشلها، حيث تم تصفية حامل هذا المشروع : إما من الداخل ، عبر مجتمع مزيف الوعي: مصدق في إيران، سوكارنو في أندونيسيا، الليندي في التشيلي، حركة السندينستا في نيكاراجوا، أو عبر الغزو الخارجي :
باتريس لومومبا في الكنغو،العراق ، بنما ، أو إغتيال حامل المشروع، رجل الإكوادور في ستينات القرن الماضي، جيم رلدس، الذي أراد فقط الاستفادة من نفط بلاده، وعمر تورخيس في بنما، الذي أراد استرداد قناة بنما من يد الأمريكان ...الخ.
إن الأب الشرعي لهذا النهج المتمثل في النظام الرأسمالي العالمي، تستخدم جماهيرية صناديق الاقتراع ، فقط لمعاقبة الحزب الحاكم، لأنه لا يسمح لها من استخدامه للتعبير عن مصالحها، مصالح الكادحين والمنتجين، بحكم بنية الديمقراطية البرلمانية ووظيفتها، التي تخدم فقط مصالح أصحاب رؤوس الأموال. 
وبالمقابل، فإن أصحاب نهج التغيير يعتمدون تغيير البنى التحتية – علاقات الإنتاج – عبر طريق الديمقراطية الشعبية، وبالاعتماد على الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، كحامل اجتماعي لهذا المشروع، الذي يستند إلى مشروع " تحرري نهضوي تنويري تثقيفي توعوي توحيدي" ، من أجل تحقيق التحرر الوطني ومهماته المتمثلة ، في كسر التبعية وتحرير الإرادة الوطنية، وتحرير القدرات والثروات الطبيعية الهائلة، وتحقيق التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات، وتحقيق وحدة الأمة.
التحرر الوطني نضال موجه ضد الاستغلال وضد التبعية، وهو نمط خاص من العملية الثورية، يهدف إلى إحداث انقلاب جذري في حياة شعوب البلدان النامية: المستعمرة وشبه المستعمرة والتابعة وعلى كافة الصعد وفي كافة مناحي الحياة المجتمعية: سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، بعد إنجاز مهمة تصفية السيطرة الأجنبية ، بكافة أشكالها المستترة والظاهرة. 
في ظل غياب البرجوازية الوطنية في مجمل الدول التابعة، بسبب عدم نشوء علاقات انتاج رأسمالية، نتيجة لحجز التطور الطبيعي لهذه المجتمعات، بفعل قانون التبعية، فإن تبني نهج الإصلاح، يدل على عقل مثالي سطحي، يتعاكس تماماً مع العقل الجدلي، ولا يمت بصلة للعقل المادي التاريخي، الذي يحمله اليسار الحقيقي.
في المحصلة ، نحن نقف أمام نماذج متعددة من اليسار - إصلاحي لبرالي أو تغييري ثوري، أو تغييري جذري -...الخ والخيار متروك لكل فرد معني في النضال، في الانحياز للنموذج الذي يعتقد بأنه يحقق طموحه، وعلى مدى قدرته على مقاومة إغراء وهم التغيير عبر الإصلاح، يفترض أن يتم الانحياز.
وبالمقابل نقف أمام نموذج آخر واحد موحد ، إنه نموذج حركة التحرر الوطني ، وأمام مهمات مرحلة التحرر الوطني الواضحة والقائمة بالفعل وفي الواقع على الأرض، والمتمثلة في:
كسر التبعية، تحرير الإرادة السياسية الوطنية، تحرير الثروات الطبيعية والمقدرات الوطنية، وتحقيق التنمية المتمحورة حول الذات، وتحقيق وحدة الأمة العربية.
حركة التحرر الوطني ، هي خيار شرائح اجتماعية وطنية كادحة ومنتجة . وشرط إنجاز مهمات مرحلة التحرر الوطني يتمثل في بناء الحامل الاجتماعي ، على قاعدة مشروع تحرري نهضوي تنويري توعوي توحيدي، بحيث تشكل النخب الوطنية الحقيقية اللاصق الاجتماعي لهذا المشروع.
" كلكم للوطن والوطن لكم

مشاركة مميزة