السبت، 21 أغسطس 2010

الأثر الإنساني للقيود الإسرائيلية على الوصول إلى الأراضي والبحر في قطاع غزة

kolonagaza7
Arabic Editor
السنوات العشر الماضية، صعد الجيش الإسرائيلي تدريجيا قيوده المفروضة على الوصول إلى الأراضي الزراعية الواقعة على" جانب غزة" من الخط الأخضر الذي تمّ ترسيمه عام 1949، كما صعّد كذلك القيود المفروضة على مناطق صيد الأسماك على طول ساحل غزة، ويأتي ذلك كله بداعي منع الهجمات التي تشنها الفصائل الفلسطينية المسلحة على إسرائيل، بما فيها إطلاق الصواريخ.
تهدف هذه الدراسة إلى تقييم مدى هذه القيود، بالإضافة إلى أثرها على الأمن الشخصي للأفراد، ومصادر كسبهم للرزق و وصولهم إلى الخدمات. وتعتمد المعلومات والتحليلات المطروحة في هذا التقرير على ما يزيد عن 100 مقابلة ونقاش مجموعات تركيز والتي أجريت خلال أشهر آذار/مارس-نيسان/أبريل من عام 2010، وتمّ تكميلها بتحليل للبيانات الكميّة المتوفرة من مصادر أخرى.
منذ أواخر عام 2008، مُنع الفلسطينيون بصورة كاملة أو جزئية من الوصول إلى أراض تبعد مسافة 1,000-1,500 متر عن الخط الأخضر (بحسب المنطقة المحددة)، كما مُنعوا من الوصول لمناطق في البحر تبعد عن الشاطئ مسافة 3 أميال بحرية. وفي المجمل، تقدّر مساحة الأراضي التي تمّ تقييد الوصول إليها بحوالي 17 بالمائة من مجمل مساحة أراضي قطاع غزة و 35 بالمائة من مجمل مساحة أراضيها الزراعية. وفي البحر، يُحظر على صيادي الأسماك كلياً الوصول إلى 85 بالمائة تقريبا من المناطق البحرية التي يحق لهم الوصول إليها بموجب اتفاقيات أوسلو.
ويقدّر أنّ 178,000 فلسطيني تقريبا – 12 بالمائة من سكان قطاع غزة – يتضرّرون بصورة مباشرة جرّاء سياسة تقييد الوصول التي يُطبقها الجيش الإسرائيلي. ويتضمن ذلك حوالي 113,000 شخص يتضررون جراء هذه التدابير المفروضة على مناطق على الأرض و 65,000 يتضررون جراء القيود على الوصول إلى المناطق البحرية.
ويتمّ فرض القيود على الوصول بشكل رئيسي بواسطة إطلاق الرصاص الحيّ على الأشخاص الذين يدخلون إلى المناطق المقيد الوصول إليها. وعلى الرغم من أنه في معظم الحالات يتمّ ذلك عن طريق إطلاق “الطلقات التحذيرية” لإجبار السكان الفلسطينيين على الخروج من المنطقة، فمنذ انتهاء الهجوم العسكري “الرصاص المصبوب” في كانون الثاني/يناير 2009، قتل الجيش الإسرائيلي ما مجموعه 22 مدنيا وأصاب 146 آخرين في مثل هذه الظروف. على الرغم من احتمال سقوط ضحايا مدنيين، إلا أن السلطات الإسرائيلية لم تعلم السكان المتضررين بالحدود الدقيقة للمناطق المحظورة والشروط التي بموجبها يُسمح أو يُمنع الوصول إلى هذه المناطق.
كما أن هنالك أخطار أخرى تهدّد الحياة نتيجة النشاطات العسكرية التي تُنفذها الفصائل الفلسطينية المسلحة في المناطق الخاضعة للقيود ونتيجة المواجهات التي تقع ما بينها وبين الجيش الإسرائيلي. منذ نهاية الهجوم الإسرائيلي "الرصاص المصبوب" قتل 41 مسلح فلسطيني وأربعة جنود اسرائيليين داخل المنطقة المقيد الوصول إليها أو بجوارها ، كما اصيب 26 مسلح فلسطيني وعشرة جنود إسرائيليين بجراح.
وهنالك طريقة مُكمّلة أخرى يستخدمها الجيش الإسرائيلي لثني المواطنين عن الوصول تتمثل في عمليات التجريف المنهجية للأراضي الزراعية وتدمير غيرها من الممتلكات الخاصة التي تقع في المناطق المقيّد الوصول إليها. ونظراً لأنّ عمليات التجريف هذه تستهدف عادة أشجار الفواكه والدفيئات الزراعية فقد عمد بعض المزارعين إلى إعادة زرع الأراضي التي تمّ تجريفها سابقاً بمحاصيل تروى بمياه الأمطار لأنها تتطلب عناية أقل ولديها فرص أفضل للبقاء. إلا أنّ قدرة المزارعين على قطف محاصيل هذه المزروعات محدودة والدخل الناتج عنها لا يُعادل سوى أعشار من الدّخل الأصلي لهذه المزروعات.
وتقدّر قيمة المزروعات وغيرها من الممتلكات التي دُمرت خلال الخمس سنوات الماضية في الأراضي المقيّد الوصول إليها بحوالي 308 مليون دولار أمريكي وهو تقدير متحفّظ (تكاليف التّجديد). وتتضمن الممتلكات المتعلقة بالزراعة، أشجار الفواكه، والدفيئات، ومزارع الدواجن والأغنام وآبار المياه، وتمثل 90 بالمائة من هذه التكاليف.
ويقدر أن القيود المفروضة على الوصول وغيرها من عمليات التدمير للممتلكات الزراعية تؤدي إلى خسارة سنوية تبلغ 75,000 طن مكعب من الإنتاج الزراعي المفترض الحصول عليه. وبدون مغالاة, تُقدر القيمة التجارية لهذا المحصول بحوالي 50.2 مليون دولار أمريكي سنويا. وقد أشار معظم المزارعين الذين جرت مقابلتهم لغرض إجراء هذه الدراسة إلى أنّه ومنذ توسيع المنطقة المقيدة في عام 2008، انخفض دخلهم من الزراعة إلى أقل من الثلث مقارنة بدخلهم سابقاً. وقد أفاد آخرون أنّه لم يعد هناك دخل أو عائد نهائياً. أما في قطاع صيد الأسماك، فتقدّر خسارة محصول الأسماك نتيجة للقيود المفروضة على الوصول بحوالي 7,000 متر مكعب ينجم عنها خسارة في الدخل تبلغ حوالي 26.5 مليون دولار أمريكي سنوياً.
إن تقويض مصادر كسب الرزق أجبرت العائلات المتضررة على تطوير آليات مختلفة للتأقلم مع الظروف، تهدف إلى توفير مصدر دخل بديل وخفض المصاريف. وتمثّل بعض هذه الممارسات مصدر قلق كبير، نظراً لأنها تتضمن خفض كمية الطعام المستهلك؛ والتحوّل التدريجي من قائمة غذائية إلى أخرى (من الخضار ومنتجات اللحوم إلى منتجات منخفضة التكلفة تحتوي على نسبة عالية من النشويات)؛ وتقليل مدة التحاق الأطفال بالمدارس؛ والميل المتزايد لدى الأهالي لتزويج بناتهم زيجات مبكرة.
وتؤثر السياسة الحالية أيضا على الوصول إلى المدارس التي تقع سبعٌ منها ضمن حدود المناطق المقيّد الوصول إليها. علماً أنّ سلامة الطلاب والهيئة التدريسية في هذه المؤسسات (4,600) شخص، إضافة إلى جودة التعليم المُقدّم فيها ودرجة التحصيل الأكاديمي تأثرت بصورة بالغة جراء التعرّض المتكرّر للنيران الإسرائيلية التي تستهدف السكان الذين يتواجدون في مناطق مفتوحة سواء كانوا مزارعين أم مسلحين.
وأخيراً، أعاقت القيود المفروضة على الوصول بصورة بالغة جهود صيانة وتحديث شبكات الصرف الصحي والكهرباء القائمة، الأمر الذي يؤثّر سلبا على توفير الخدمات لجميع سكان قطاع غزة. ونذكر منها على وجه الخصوص التأخير المتواصل في بناء ثلاث محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي وهو ما أسهم في صبّ ما يقرب من 80 مليون لتر يومياً من مياه المجاري الخام والمُعالَجة جزئيا في البحر والجداول الأمر الذي يعدّ خطراً صحياً وبيئياً إضافيا جسمياً.
من أجل البدء في معالجة الوضع المؤلم الذي تعاني منه إحدى أكثر الشرائح السكانية حساسية في قطاع غزة، يجب رفع القيود الحالية المفروضة على وصول المواطنين إلى الأراضي والبحر إلى أقصى حد ممكن لها بشكل عاجل. وعلى كل الجهات التقيّد بالتزاماتها وفق القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. وتشير نتائج هذه الدراسة أيضاً إلى الحاجة إلى جهود مساعدة إنسانية أكبر وأفضل توجيهاً من أجل التخفيف من أثر التقويض المتواصل لمصادر العيش وتجنّب مزيد من التدهور.
التوصيات
تُشير نتائج هذه الدراسة بصورة قاطعة إلى أنّ سياسة الوصول التي يُطبقها الجيش الإسرائيلي في المناطق الواقعة على طول الخط الأخضر والمناطق التي تقع على طول شاطئ غزة أثرت وما تزال تؤثر بصورة سلبية على الأمن الشخصي للأفراد، والظروف المعيشيّة لما يقرب من 180,000 شخص. وقد فاقمت هذه السياسة من الانتهاك الذي تتعرض له الكرامة الإنسانية الناجم عن الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ حزيران/يونيو 2007.
منذ أواخر عام 2008، وسّع الجيش الإسرائيلي مساحة المناطق المقيّد الوصول إليها بحيث أصبحت تبلغ ما يقرب من 17 بالمائة من مجمل مساحة أراضي قطاع غزة و85 بالمائة من المناطق البحرية (كما حدّدتها اتفاقية أوسلو). وقد أدى الأسلوب الفتاك المُستخدم لفرض هذه السياسة – التي تثيرها وتزيدها تعقيدا النشاطات العسكرية التي تُنفذها الفصائل الفلسطينية المسلحة – إلى “أزمة حماية” خطيرة تتسم بانعدام منهجي لاحترام الحقوق الأساسية الممنوحة للسكان المدنيين بموجب القانون الدولي.
وتعتبر الخسائر الناجمة عن نظام التقييد والأساليب المتبعة لفرضه خسائر جسيمة. فقد فرضت عقوبات صارمة على قطاع الزراعة الذي يعتبر أحد أكثر القطاعات أهمية في اقتصاد غزة، وساهمت في مزيد من الفقر الذي يعاني منه عشرات آلاف السكان الذين أصبحوا يعتمدون على المساعدات الإنسانية بصورة متزايدة. وتُبيّن هذه الدراسة أنّ مستويات انعدام الأمن المرتفعة وتقويض سبل العيش كان لها انعكاسات خطيرة على الأمن الغذائي وعلى الحالة النفسية الاجتماعية للسكان، وفي الوقت ذاته قوّضت قدرة المواطنين على الاعتماد على الشبكات الاجتماعية وبالتالي قوّضت قدرتهم على التحمّل. ومن المُرجّح كثيرا أن هذا الوضع زاد بصورة خاصة من ضعف شرائح النساء والأطفال والكبار بالسن في المجتمعات المتضررة.
من أجل البدء في معالجة الوضع المؤلم الذي تعاني منه إحدى أكثر الشرائح السكانية حساسية في قطاع غزة، يجب رفع القيود الحالية المفروضة على وصول الفلسطينيين إلى الأراضي والبحر في قطاع غزة إلى أقصى حد ممكن لها وبشكل عاجل. وعلى كل الجهات التقيّد بالتزاماتها وفق القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان. وعلى وجه الخصوص، يجب على الجيش الإسرائيلي الامتناع عن استهداف المدنيين وعن إطلاق “النيران التحذيرية” باتجاههم، بالإضافة إلى الامتناع عن تجريف الأراضي الزراعية وتدمير الممتلكات المدنية. كما ويجب على الفصائل الفلسطينية المسلحة أن توقف إطلاق الصواريخ والقذائف على المدنيين داخل إسرائيل، وأن توقف تهريب السلاح عبر البحر والبر، والامتناع عن وضع الأهداف العسكرية داخل المناطق المدنية المبنيّة أو بجوارها.
بالإضافة إلى ذلك، بالرغم من أنّ تخفيف إسرائيل المحدود للقيود المفروضة على الواردات يعتبر خطوة مرحب بها لاسترجاع حقوق جميع المواطنين، وخصوصا أولئك المتضررين من القيود المفروضة على الوصول، إلاّ أنه هناك حاجة ملحة إلى إعادة فتح متواصل للمعابر على أساس اتفاق المعابر الذي أبرم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في عام 2005، وبموجب أحكام قرار مجلس الأمن رقم 1860.
كما وتشير نتائج هذه الدراسة أيضاً إلى الحاجة إلى جهود مساعدة إنسانية أكبر وأفضل توجيهاً من أجل التخفيف من أثر التقويض المتواصل لمصادر العيش وتجنّب مزيد من التدهور.

مشاركة مميزة