الجمعة، 6 أغسطس 2010

الإسلاميون في مصر.. عقود من الإقصاء

kolonagaza7
علي عبدالعال
تكاد تكون قضية المشاركة السياسية للإسلاميين في مصر، وحقوقهم في المنافسة المشروعة من خلال كيانات قانونية، وحقهم في امتلاك الوسائل التي تعبر عن آرائهم وتوجهاتهم وتدافع عن قضاياهم، من الأمور المتفق على انكارها أو تجاهلها عن عمد، باعتبارها محرم لا يجوز الاقتراب منه، أو هكذا تراءى للمستفيدين من فرض هذا الواقع.
فعلى مدار عقود، تمكن نظام ما بعد حركة 23 يوليو بالتحالف مع بعض قوى اليسار والعلمانية في الداخل وقوى الشر الصهيوأمريكية في الخارج من إقصاء كل رافع لراية الإسلام أو مطالبا بتحكيم شريعته في البلاد، على تعدد مسمياتهم وانتماءاتهم وجماعاتهم، وانكار كل حق لهم في الوجود بالرغم من تراوحهم بين ما يسمى (الاعتدال) وما أصطلح على تسميته بـ (التشدد)، حتى صار الإسلاميون في مصر أشبه بفئة منبوذة، أو مواطنين من الدرجة الثانية دائما ما يجري عليهم الاستثناء من القواعد العامة، بل واستطاع حزب المتآمرين اقناعهم بأن الحديث عن (شرعية) لوجودهم من الخطوط الحمراء التي عليهم ألا يقتربوا منها، إذا أرادوا العيش بسلام، نظرًا للبطحات العديدة التي على رؤوسهم كمزاعم (الإرهاب والتطرف).
وفي سبيل المحافظة على ديمومة مثل هذه الأوضاع، وُظفت جهات ومؤسسات وهيئات (سياسية وأمنية وإعلامية وثقافية واقتصادية) رسمية وغير رسمية، من أجل استهداف هذه الفئة من الناس، فجرى وصم جماعة الإخوان المسلمين بـ "المنحلة" ثم "المحظورة" فيما بعد، وكُممت أفواه الجهاد والجماعة الإسلامية خاصة بعدما أنعم عليهم نظام مبارك وأخرجهم من السجون، ولوح بالبطاقة الحمراء في وجه السلفيين، بل وصلتهم الرسالة صريحة بأن معتقلات ما وراء الشمس بما فيها من سحل وصعق تنتظرهم، ووضعت كل من جمعيتي "أنصار السنة" و"الجمعية الشرعية" تحت التحكم، وقيل لـ"التبليغ" مارسوا دعوتكم بشروطنا وإياكم والخروج على النص! فمن أراد منكم أن "يكُح" فلا يفعل إلا أن يحصل على إذن رسمي من أمن الدولة.. وهكذا صارت الأمور حتى أن عقود الزواج أو التقدم لشغل وظيفة من الوظائف لم تكن تتم قبل السماح الأمني.
تحرك النظام الحاكم وحلفاؤه في الداخل على أكثر من صعيد: سياسيا، أغلق في وجوههم الأحزاب، فما من حزب كان يفكر في إيواء بضع أفراد من الإسلاميين إلا وتجري ملاحقته، كما حدث مع أحزاب "العمل" و"الأحرار" و"الوفاق القومي".. إعلاميا، جرى اختطاف كل وسيلة من وسائل التعبير، فأغلقت الصحف والمجلات كـ "الدعوة"، و"الاعتصام"، و"الشعب"، و"آفاق عربية"، حتى لم تبق صحيفة إسلامية واحدة في مصر! وهي مفارقة عجيبة في مثل هذا البلد الإسلامي الكبير.
كما ضيق على دور النشر، ومنع منهم الكتاب والمفكرين والمثقفين والدعاة من الظهور على أي صحيفة أو قناة مما يفترض أنها قومية ومملوكة للدولة، فضلا عن حالة التشويه الممنهج التي طالت كل صغيرة وكبيرة من قناعاتهم. واقتصاديا، جمدت الأرصدة، وحوصرت الشركات، من خلال إجراءات طالت الإسلاميين وحدهم، إذ لم تتعرض أي جهة أو جماعة سياسية في مصر لمصادرة الأموال سواهم. أمنيا، ضاقت على الإسلاميين المعتقلات بما رحبت، ومن بقي منهم خارجها خضع لنظام "المتابعة" أو بقي عرضة للمداهمات الليلية والمطاردات، فضلا عن التقارير الأمنية التي ظلت تطارده أينما حل.
وبينما جرى تقييد شيوخهم ومنظريهم داخليًا بالإقامات الجبرية، والمنع من الخطابة أو الاجتماع إلى الناس، والمنع المتكرر من السفر، طُرد دعاتهم خارج البلاد دونما ذنب اقترفوه، حتى أن الداعية (وجدي غنيم) ظل يتنقل هو وأسرته من بلد إلى بلد، بحثا عن واحدة تأويه بعد اخراجه من الكويت، وذلك لعلمه أن أبواب بلاده لن تفتح له، وهو الشيء نفسه الذي حصل من قبل مع الشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ إسماعيل حميدي، والمفكر محمد قطب، والداعية صلاح سلطان، وعمرو خالد، ود.كمال الهلباوي، الذي حدثني في مقابلة أجريتها معه عن مدى حنينه إلى مصر وشوقه لأن يقبل ترابها، لولا خشيته مما قد يتعرض له ظلمًا وعدوانًا بعيدًا عن أعين القضاء، في حال عودته، كما حدث مع شخصيات إسلامية عديدة، وكان مما قاله نصًا: "من يضمن لي محاكمة عادلة أكون على أول طائرة عائدًا إلى مصر"، إلا أن ما تعرض له القيادي الإخواني كمال السنانيري كان دائما يتمثل له، خشية من أن يلقى مصيره خلف القضبان.
فنحن أمام واحدة من أبشع جرائم التشويه والتضليل والإقصاء، مورست على مدار عقود بحق عشرات الملايين من المصريين ظلمًا وعدوانًا، تحت لافتات كاذبة (العنف والتطرف)، بالرغم من أن من تورطوا منهم في مثل هذه الأعمال لا يتجاوزون بضع عشرات، إلا أن ما جرى كان عقابًا جماعيًا أشبه بمحاكم التفتيش، تورطت فيه قوى وشخصيات وأجهزة بزعم محاربة (الظلاميين) وعدم التفريط في مكتسبات التنوير والتحرر، وهم في الأصل مجموعة من الكذبة المفسدين الذين تتكشف نتائج سيطرتهم على مقدرات البلاد والعباد وبيعها في سوق النخاسة يومًا بعد آخر.
ولعله من الجدير أيضًا هنا عدم تجاهل الدور الذي يلعبه الإسلاميون أنفسهم في هذه الجريمة، وذلك بسلبيتهم أمام هذا العقاب الجماعي، وسكوتهم عن المظالم، بل وبتقبلهم لأكذوبة أنهم مخطئون في حق هذه الحكومات التي حُق لها أن تفعل بهم وتفعل، وبنسيان حقوقهم التي كفلتها كل الشرائع والقوانين، وبصمتهم أمام اعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية، وبعدم رد الاتهامات والشبهات التي نُسجت حولهم، ولصوتهم المنخفض، ولتجاهلهم كثرة الطرق المشروعة التي يمكن من خلالها فضح هذه الممارسات وإظهار زيفها.
وإذا كان كذلك، فمن الجدير ومصر تخطوا خطواتها نحو التغيير أن يعي الحريصون على مستقبلها واستقرارها أهمية أن تسودها مظلة واحدة فوق الجميع، لا تستثني أحدا، وهي مظلة القانون، التي لا تفرق بين هذا وذاك، وتُعلي من قيمة المساواة بين الجميع، على اختلاف انتماءاتهم وجماعاتهم، مما يساهم في رفع الظلم عن كل من تعرض له، وإغلاق هذه الصفحات السود من تاريخنا.. ومن الجدير أيضا الأخذ على يد الظالم وأعوانه، فيكفوا جميعًا عن ترويج الأكاذيب، التي لا أدري حقيقة كيف لها أن تنطلي على مجتمع بأكمله، على مدار عقود، فيرددها أو يسكت عنها كأنها حقيقة لا مجال للتشكيك فيها، حتى صرنا مجتمعًا يتوزع بين المظاليم والظالمون والساكتون عن الظلم.
علي عبدالعال صحفي مصري

مشاركة مميزة