الأحد، 18 سبتمبر 2011

مواقف البطريرك الراعي..انقسام بين اللبنانيين وفتح لباب النزاعات الطائفيّة

kolonagaza7

al-aman.com
شكلت تصريحات البطريرك بشارة الراعي في فرنسا، التي تناول فيها الأوضاع في سوريا وخوف المسيحيين من أن أي تغيير في المنطقة قد يؤدي إلى تهجير جديد لهم، وإطلاقه سلسلة مواقف بالنسبة إلى الوضع اللبناني الداخلي في ما يتعلق بسلاح حزب الله وتوطين الفلسطينيين وغير ذلك من المواقف المثيرة للجدل مادة للسجال السياسي بين فريق الأكثرية وفريق 14 آذار والقوى والشخصيات الإسلامية في لبنان.
إلا أن هذه المواقف المستجدة للبطريرك الراعي كشفت عن أمور أخرى على الساحة اللبنانية توازي في أهميتها المواقف السياسية التي أدلى بها أثناء زيارته لفرنسا، وهي:
- تحالف الأقليات: وهذا الموضوع كان موضع تداول على نطاق ضيق في السابق بين القوى المسيحية في لبنان.
- الخوف من الأغلبية السنية: وقد ظهر من ردود الفعل على كلام البطريرك الراعي ان هذا الموضوع يشكل نقطة تلاقي مع طوائف لبنانية أخرى.
- الحركات الإسلامية ووسمها بالتطرف والإرهاب، وهي قضية حساسة لأنها أولاً فيها اتهام ظالم لفئة من اللبنانيين، وثانياً لأنها مرتبطة بالموقف السياسي لهذه الحركات مما يجري في سوريا من أحداث.
والنقطة الأخيرة، وهي الأهم، التي كشفتها مواقف البطريرك الراعي هي أن التحالفات السياسية القائمة ضمن فريق الأكثرية هي تحالفات ظرفية أي مرتبطة بالوضع الحالي في لبنان وسوريا أو ان أي تغيير في هذه الظروف قد ينتج تحالفات ومواقف سياسية جديدة، ولا ينسحب ذلك فقط على رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط بل أيضاً على الرئيس نجيب ميقاتي الذي يميز نفسه ومواقفه علناً عن باقي الفرقاء في الأكثرية الجديدة.
فماذا في هذه المواقف من أمور، وما هي تأثيراتها المستقبلية على الوضع اللبناني؟
تحالف الأقليات
تبدو مواقف البطريرك الراعي الخائفة من سيطرة الأكثرية السنية في لبنان وسورية غريبة، إذ إنها تعود لفترة سياسية سابقة سببت الخراب والدمار على لبنان، وهي فترة الحرب اللبنانية في بداية عام 1975 التي سبقتها مواجهات بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية في عام 1973، وقد رفض وقتها الرئيس الراحل رشيد كرامي قيام الجيش اللبناني بقصف مخيمات الفلسطينيين في بيروت بالطائرات وأعلن اعتكافه عن القيام بمهام رئاسة الحكومة، ما أدى الى أزمة سياسية كبيرة أُثير يومها موضوع الأغلبية الإسلامية والأقلية المسيحية وما الى ذلك من أمور. وقد تحدث عن هذا الموضوع قبل فترة عميد «الكتلة الوطنية» كارلوس إدة الذي قال ان السوريين عرضوا هذا الموضوع على العميد ريمون إدة لكنه رفض تبنيه والسير به لأنه خطر على مستقبل لبنان وعلى المسيحيين خصوصاً. وقد أشار الى ذلك النائب وليد جنبلاط الذي قال في معرض رده غير المباشر على البطريرك الراعي «هذا الكلام يذكرنا بالمنطق القديم الجديد الذي يقول بتحالف الأقليات الذي دمر لبنان». وللأسف فإن إثارة موضوع تحالف الأقليات كان موضع ترحيب من العماد عون الذي أكد تأييده لمواقف الراعي «لأنه المؤتمن على السينودس من أجل لبنان والشرق»، إلا ان هذا المنطقة جوبه برفض مطلق من القوى المسيحية في قوى 14 آذار، وهي نقطة تسجل لهذه القوى التي رفضت السير بمنطق «تحالف الأقليات» الذي يهدد مستقبل العلاقات بين اللبنانييين ويهدد مستقبله.
الخوف من الأغلبية السنية
النقطة المثيرة للاستغراب في ردود الفعل على كلام البطريرك الراعي هي الترحيب المطلق بها من قبل «حزب الله» وقوى 8 آذار، وهو ترحيب موضع استغراب، فإذا كان موقف الراعي من سلاح المقاومة وارتباط بقائه باستمرار الصراع مع العدو الصهيوني قضية عليها شبه إجماع من اللبنانيين باستثناء موقف قوى 14 آذار الرافض لسلاح حزب الله بالمطلق، فإن غض النظر عن موقف البطريرك من موضوع الأغلبية السنية والترحيب المطلق بكلامه من قبل حزب الله وفريق 8 آذار يترك أكثر من علامة استفهام حول العلاقات الإسلامية - الإسلامية وحول الوحدة الإسلامية في لبنان. وأخطر من ذلك أنه يعبر عن تبني وجهة نظر طائفية حساسة من طائفة إسلامية كبيرة وأيضاً من الحركات الإسلامية في لبنان والعالم الإسلامي. وقد رد النائب تمام سلام على كلام البطريرك الراعي وحزب الله معاً بالقول إن «التطرف ليس حكراً على طائفة دون أخرى، ليس بالضرورة ان يكون الاخوان المسلمون متطرفين، وهناك النموذج التركي والإندونيسي والماليزي»، و«تمنى على حزب الله ان يدرك انه ليس وحده في البلد».
التحالفات الظرفية
لعل هذه النقطة بالذات هي أخطر ما أثارته عاصفة المواقف التي اطلقها البطريرك الراعي في فرنسا، فإذا كان مفهوماً اعتراض القوى الإسلامية وقوى 14 آذار على مواقف البطريرك الراعي، فإنه ليس مفهوماً بالنسبة إلى فريق الأكثرية هذا الانقسام في المواقف عند كل منعطف أو قضية تطرح على الساحة اللبنانية. فبعد عاصفة الكهرباء التي كادت تطيح الحكومة، تبرز على السطح قضية تمويل المحكمة الدولية التي يعتبرها حزب الله محكمة اميركية - إسرائيلية بينما يطلب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من حزب الله ان يكلف محامين للدفاع عن عناصره المتهمين بجريمة اغتيال الرئيس الحريري، ويؤكد في الوقت نفسه التزام لبنان بكل القرارات الدولية بما فيها موضوع تمويل المحكمة الدولية. وقد كشفت وثائق ويكيليكس التي تناول فيها الرئيس ميقاتي حزب الله وموقفه من الصراع مع العدوّ الصهيوني حجم الهوة في المواقف بين الطرفين التي تترجم نفسها بالخلاف ايضاً حول الموقف من كلام البطريرك الراعي حيث رفض الرئيس ميقاتي وصم الطائفة السنية بالتطرف والإرهاب، وكذلك رفض عزل لبنان عن المجتمع الدولية.
باختصار، لبنان في أزمة وطنية وسياسية كبيرة، وقد كشفت مواقف البطريرك الراعي عمق هذه الأزمة وخطورتها على مستقبل لبنان واللبنانيين، ولعل هذه النقطة هي الايجابية الوحيدة في كلام البطريرك الراعي، فهل يبادر اللبنانيون الى تدارك الموقف قبل فوات الأوان؟
بسام غنوم

مشاركة مميزة