kolonagaza7
جواد بولس
هل يمكن تعليم الحكمة؟! الاستزادة بالمعرفة جائزة وضرورية لتجاوز الحياة بسهولة أو بصعوبة لكنني، لا أومن أن تعليم الحكمة ممكن.
قيل لي مرةً إن الحكمة تتحصل مع مرور السنين، فسمعت كهلا يتمنى يا رب ما زلت انتظرها.
القصة تبقى عند من لا يستزيد معرفةً وخبرةً من صروف التاريخ أو دلاله. والقضية تبقى أن الحقيقة كلما كانت بسيطةً، إنكارها يكون مغالطة وكذبًا، لكنها، كلما تعقدت وعمقت، نقيضها يقبل التأويل بذات المستوى والاحتمال.
فلو قلنا مثلًا أن الحياة (عندنا أو في سوريا) هي آية حقيقية وشيء جميل ومدهش وأجمل الخيارات لقال أحدنا هذه حقيقة لا نقاش حولها، مع أن نقيضها يحتمل ذات الصواب والقبول، فعندما يقول آخر إن الحياة (عندنا أو في سوريا) هي مأساة وعبء لا تستوجب التضحية والعطاء، تكون هذه أيضًا حقيقة جائزة ومن الصعب وصفها ببساطة ووضوح على أنها مغالطة أو كذبة.
تفكرتُ بهذا عندما تجاذبني موضوعان هامان، قرأت عنهما في صحافة هذا الأسبوع. سوريا بشار ونظامه، الذي يخشى عليه غيورون كثيرون لأنهم ما زالوا يعتقدون أنه نظام مقاوم ممانع لسياسة أمريكا، سهم الامبريالية والاستعمار السام والقاتل. فكل من يقف في وجه أمريكا تحل عليه البركة ويستوجب الدعم والهتاف فالأصل أمريكا والطاعون أمريكا وأمريكا هي الداء والداء أمريكا!.
أمّا الموضوع الثاني ألأقرب إلينا والأنفع لنا هو ما أعلنه النائب إبراهيم صرصور بصوت عال وواضح ومستنفِر، "إذا لم يعلِن المجتمع العربي فرض حالة الطوارئ على نفسه فلن يتوقف العنف!"، هكذا نقلت المواقع والأخبار استغاثة النائب وتصريحه المستفيض حول ما آلت إليه أوضاع مجتمعنا واستشراء ظاهرة العنف المقيت في كل بقعة وناحية. "إنّها الغابة يا أخي" كان عنوان إحدى مقالاتي في العام المنصرم. والغابة هي الغابة، لا يحتفل بها إلّا ضاري الحيوان ولا ينتعش فيها ويستبد إلّا مفتول العضلات وشديد البأس ولا يفلت إلّا ماكر وطفيلي.
قرأت ما يكتبه دعاة سوريا البعث والأسد، ولا أعتقد أن هنالك أيّة إمكانية لتغيير رأي أحدهم أو إقناعهم بخطأ موقفهم. لهم ذلك، لكنني مندهش من بعض الاستعارات والأمثلة التي سيقت في معرض تعزيز موقفهم وتفنيد موقف الآخرين. لا يمتلك أحد عصا الساحر ولا ترياق التاريخ ليفاخر بنشوة طاووس أنه على صواب وغيره على شفا هاوية وخيانة. ولذا سنعود، حتمًا، إلى هذا الشأن وسنكتب فيه وعنه قريبًا ولكن أن يصرح أمين عام الحزب الشيوعي الإسرائيلي أنه سيقف مع أمير قطر وملك السعودية إن بادرت أمريكا في عملية إطاحة بهما، فهذا ما لم أفهمه وما لم تستسغه أذن وما لم يرتح له قلب ولا عقل.
القضية أكثر تعقيدًا أو أبسط بكثير. ولكن سوقَ هذا المثل في هذا الانسياب والقناعة والتبسيط فيه نوع من استهزاء بالتاريخ وأكثر بالقراء والعقول. وهذا يشبه تمامًا ما دعا إليه قبل أشهر مثقف ليبرالي علماني يساري حين صلّى لنصر طالبانيّ في أفغانستان على أمريكا، دعا ودعانا أن ننضم إليه وننتظر ساعة الظفر على طاعون أمريكا لننعم في بساتين وأريج طالبان وما يعدونه للفجر الجديد والفتح المبين.
أن نقرأ تحليلات عن أوضاع تتفاعل وسيرورات تتدفق وتتعثر وتحاول مجددًا لهو أمر جيد، ولكن المزعج أن تأتينا هذه التحليلات بلغات قواميس صلُحت لعوالم مضت وتغيّرت، فاليوم تلائمه لغة هذا العصر الجديد والفجر المنبلج.
عانينا منذ قرون من توقف اللغة وتعطيل العقل والعيش في صدف التاريخ وكهوفه وأراني أننا نعاني اليوم مضاعفًا من هذا الأرق والداء. فما الفرق بين من ما زال ينكر على الإنسان نزوله على سطح القمر وبين من يصر على إقناعنا أنّ ستالين هو رمز للطيبة والعطاء والبناء فهو خلاصة إنسانية الإنسان وروحها.
فيلسوف اليونان قال قبل دهور "لا يمكن دخول النهر ذاته مرتين فلا النهر ذات النهر ولا الإنسان ذاته"، ولكن اللافت ما قاله أحد تلاميذ هذا المعلم حين أصر أنه من المستحيل الدخول إلى النهر ذاته حتى مرة واحدة.
ما يجري في سوريا وحولنا يهمنا وسيؤثر علينا وعلى مصائرنا في هذه المنطقة ولذا يتوجب أن نتابعه ونفهمه ونقول رأينا فيه وتمنياتنا لمستقبله، ولكنني قلتها دومًا، وأكررها، مياديننا هنا وهنا تبقى صرخة النائب إبراهيم صرصور ذات وقع خاص وأهمية قصوى وتستوجب الإصغاء وقبول النداء والتحدي، ولذا على كل فرد وحزب ومؤسسة وواع ومسؤول أن يتنادى لوضع رؤى عملية لآليات عمل ومجابهة عساها توقف تمادي ضواري الغاب وكواسره.
في النهاية لا حيرة بين سوريا والدم المسفوك هناك وبين ما يسفك من دماء في شوارعنا وقرانا ومدننا، لان الدم هو الدم، فهناك يسفك من أجل حرية تواجه سلطة ومالًا وجاهًا واستبدادًا، وهنا يسفك من أجل حرية ومستقبل وبقاء، نتمنى أن لا يكون فقط للأقوى بل للأفضل أيضًا.
أعطوا لسوريا ما لسوريا وأعطونا ما لضمان الأمن والسلامة والبقاء. لن يسعفنا تباك على شمس غربت ولا استحضار أرواح مواضٍٍ مهما كانت غالية علينا أو على بعضنا. فلسوريا رب سيحميها، ولنا، ماذا لنا؟ لنا ما علَّمنا الدم والسكين أن لا نكون كمن بنفسه يذهب إلى حتفه أو كما قال الحكيم: "كمن أتتكَ بحائنٍ رجلاهُ".
jawaddb@yahoo.com
هل يمكن تعليم الحكمة؟! الاستزادة بالمعرفة جائزة وضرورية لتجاوز الحياة بسهولة أو بصعوبة لكنني، لا أومن أن تعليم الحكمة ممكن.
قيل لي مرةً إن الحكمة تتحصل مع مرور السنين، فسمعت كهلا يتمنى يا رب ما زلت انتظرها.
القصة تبقى عند من لا يستزيد معرفةً وخبرةً من صروف التاريخ أو دلاله. والقضية تبقى أن الحقيقة كلما كانت بسيطةً، إنكارها يكون مغالطة وكذبًا، لكنها، كلما تعقدت وعمقت، نقيضها يقبل التأويل بذات المستوى والاحتمال.
فلو قلنا مثلًا أن الحياة (عندنا أو في سوريا) هي آية حقيقية وشيء جميل ومدهش وأجمل الخيارات لقال أحدنا هذه حقيقة لا نقاش حولها، مع أن نقيضها يحتمل ذات الصواب والقبول، فعندما يقول آخر إن الحياة (عندنا أو في سوريا) هي مأساة وعبء لا تستوجب التضحية والعطاء، تكون هذه أيضًا حقيقة جائزة ومن الصعب وصفها ببساطة ووضوح على أنها مغالطة أو كذبة.
تفكرتُ بهذا عندما تجاذبني موضوعان هامان، قرأت عنهما في صحافة هذا الأسبوع. سوريا بشار ونظامه، الذي يخشى عليه غيورون كثيرون لأنهم ما زالوا يعتقدون أنه نظام مقاوم ممانع لسياسة أمريكا، سهم الامبريالية والاستعمار السام والقاتل. فكل من يقف في وجه أمريكا تحل عليه البركة ويستوجب الدعم والهتاف فالأصل أمريكا والطاعون أمريكا وأمريكا هي الداء والداء أمريكا!.
أمّا الموضوع الثاني ألأقرب إلينا والأنفع لنا هو ما أعلنه النائب إبراهيم صرصور بصوت عال وواضح ومستنفِر، "إذا لم يعلِن المجتمع العربي فرض حالة الطوارئ على نفسه فلن يتوقف العنف!"، هكذا نقلت المواقع والأخبار استغاثة النائب وتصريحه المستفيض حول ما آلت إليه أوضاع مجتمعنا واستشراء ظاهرة العنف المقيت في كل بقعة وناحية. "إنّها الغابة يا أخي" كان عنوان إحدى مقالاتي في العام المنصرم. والغابة هي الغابة، لا يحتفل بها إلّا ضاري الحيوان ولا ينتعش فيها ويستبد إلّا مفتول العضلات وشديد البأس ولا يفلت إلّا ماكر وطفيلي.
قرأت ما يكتبه دعاة سوريا البعث والأسد، ولا أعتقد أن هنالك أيّة إمكانية لتغيير رأي أحدهم أو إقناعهم بخطأ موقفهم. لهم ذلك، لكنني مندهش من بعض الاستعارات والأمثلة التي سيقت في معرض تعزيز موقفهم وتفنيد موقف الآخرين. لا يمتلك أحد عصا الساحر ولا ترياق التاريخ ليفاخر بنشوة طاووس أنه على صواب وغيره على شفا هاوية وخيانة. ولذا سنعود، حتمًا، إلى هذا الشأن وسنكتب فيه وعنه قريبًا ولكن أن يصرح أمين عام الحزب الشيوعي الإسرائيلي أنه سيقف مع أمير قطر وملك السعودية إن بادرت أمريكا في عملية إطاحة بهما، فهذا ما لم أفهمه وما لم تستسغه أذن وما لم يرتح له قلب ولا عقل.
القضية أكثر تعقيدًا أو أبسط بكثير. ولكن سوقَ هذا المثل في هذا الانسياب والقناعة والتبسيط فيه نوع من استهزاء بالتاريخ وأكثر بالقراء والعقول. وهذا يشبه تمامًا ما دعا إليه قبل أشهر مثقف ليبرالي علماني يساري حين صلّى لنصر طالبانيّ في أفغانستان على أمريكا، دعا ودعانا أن ننضم إليه وننتظر ساعة الظفر على طاعون أمريكا لننعم في بساتين وأريج طالبان وما يعدونه للفجر الجديد والفتح المبين.
أن نقرأ تحليلات عن أوضاع تتفاعل وسيرورات تتدفق وتتعثر وتحاول مجددًا لهو أمر جيد، ولكن المزعج أن تأتينا هذه التحليلات بلغات قواميس صلُحت لعوالم مضت وتغيّرت، فاليوم تلائمه لغة هذا العصر الجديد والفجر المنبلج.
عانينا منذ قرون من توقف اللغة وتعطيل العقل والعيش في صدف التاريخ وكهوفه وأراني أننا نعاني اليوم مضاعفًا من هذا الأرق والداء. فما الفرق بين من ما زال ينكر على الإنسان نزوله على سطح القمر وبين من يصر على إقناعنا أنّ ستالين هو رمز للطيبة والعطاء والبناء فهو خلاصة إنسانية الإنسان وروحها.
فيلسوف اليونان قال قبل دهور "لا يمكن دخول النهر ذاته مرتين فلا النهر ذات النهر ولا الإنسان ذاته"، ولكن اللافت ما قاله أحد تلاميذ هذا المعلم حين أصر أنه من المستحيل الدخول إلى النهر ذاته حتى مرة واحدة.
ما يجري في سوريا وحولنا يهمنا وسيؤثر علينا وعلى مصائرنا في هذه المنطقة ولذا يتوجب أن نتابعه ونفهمه ونقول رأينا فيه وتمنياتنا لمستقبله، ولكنني قلتها دومًا، وأكررها، مياديننا هنا وهنا تبقى صرخة النائب إبراهيم صرصور ذات وقع خاص وأهمية قصوى وتستوجب الإصغاء وقبول النداء والتحدي، ولذا على كل فرد وحزب ومؤسسة وواع ومسؤول أن يتنادى لوضع رؤى عملية لآليات عمل ومجابهة عساها توقف تمادي ضواري الغاب وكواسره.
في النهاية لا حيرة بين سوريا والدم المسفوك هناك وبين ما يسفك من دماء في شوارعنا وقرانا ومدننا، لان الدم هو الدم، فهناك يسفك من أجل حرية تواجه سلطة ومالًا وجاهًا واستبدادًا، وهنا يسفك من أجل حرية ومستقبل وبقاء، نتمنى أن لا يكون فقط للأقوى بل للأفضل أيضًا.
أعطوا لسوريا ما لسوريا وأعطونا ما لضمان الأمن والسلامة والبقاء. لن يسعفنا تباك على شمس غربت ولا استحضار أرواح مواضٍٍ مهما كانت غالية علينا أو على بعضنا. فلسوريا رب سيحميها، ولنا، ماذا لنا؟ لنا ما علَّمنا الدم والسكين أن لا نكون كمن بنفسه يذهب إلى حتفه أو كما قال الحكيم: "كمن أتتكَ بحائنٍ رجلاهُ".
jawaddb@yahoo.com